ويبذلون فيه المهج ، معتقدين أنّ ذلك قربة وطاعة ، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على مرّ السّنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم ، يستحيل أن يكون خطأ ، وكلّهم يفعلون ذلك على وجه التقرّب به إلى الله عزوجل ، ومن تأخّر عنه من المسلمين فإنّما يتأخّر بعجز أو تعويق المقادير ، مع تأسّفه وودّه لو تيسّر له. ومن ادّعى أنّ هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.
ومن نازع في ذلك وقال : فإنّهم يقصدون من سفرهم زيارة المسجد ، لا زيارة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم ينصف وكابر في أمر بديهي. فإنّ الناس من حين يعرجون إلى طريق المدينة ، لا يخطر ببالهم غير الزيارة من القربات إلّا قليلاً منهم ، وغرضهم الأعظم هو الزيارة ، ولو لم يكن ربّما لم يسافروا ، ولهذا قلّ القاصدون إلى بيت المقدس مع تيسر إتيانه ، وليس الصلاة فيه بأقل ثواباً من الصلاة في مسجد النبي. (١)
أدلّة القائلين بحرمة شدّ الرحال
كان هذا هو الموقف من الزيارة وشدّ الرحال إليها إلى نهاية القرن السابع حيث كان العلماء مطبقون على إباحة النفر وشدّ الرحال إلى الزيارة ، وإن لم يكن ذلك أمراً مستحباً فهو على أقل تقدير أمر مباح ولا يمكن تطرّق الحرمة إليه ، ولكن في أوائل القرن الثامن تمسّك ابن تيمية بحديث مروي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واعتمده دليلاً على الحرمة ، مخالفاً بذلك إجماع علماء المسلمين.
__________________
(١) شفاء السقام : ١٠٠ ـ ١٠١.