الأُمم الحيّة المهتمة بتاريخها تسعى وبكلّ جهد إلى صيانة آثارها التاريخية ـ التي لها ـ صلة بماضيها ـ من عوادي الدهر وتقلّبات الزمن ، ليكون ذلك آية لأصالتها وعراقتها في العلوم والفنون ، ودليلاً على جذورها التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ البشري.
وقد دعت تلك الغاية السامية الأُمم والشعوب إلى تأسيس دوائر ومؤسّسات خاصة تتكفّل بحفظ التراث والآثار ، يعمل فيها كبار المتخصّصين والمهرة في هذا الفن ، فلا يفرّطون في أيّ أثر مهما كان حجمه ، سواء كان ورقة مخطوطة ، أو إناءً مزخرفاً ، أو أثراً منقوشاً على الحجر ، أو منارة ، أو بناية ، أو حصناً ، أو قبراً لأحد شخصياتهم وأبطالهم الذين لعبوا دوراً في بناء هذا التراث وإدارة الأُمّة ، إلى حد ينفقون في سبيل ذلك أموالاً طائلة وجهوداً حثيثة ، أضف إلى ذلك أنّهم ينظرون إلى رجالهم وشخصياتهم وأسلافهم بأنّها تمثّل «التاريخ المجسّم» للأُمّة ، وأنّهم بمنزلة «الهوية الشعبية» لتلك الأُمّة ، لأنّ الأُمّة التي تنفصل عن جذورها التاريخية ورجالها العظام كالطفل الذي يفقد أبويه فلا يدري إلى أيّ أصل يعود.
ولا ريب أنّ الحضارة الإسلامية حضارة واسعة لها جذورها التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ ، ولقد كانت هذه الحضارة ـ في فترات تاريخية ـ صاحبة الكلمة الأُولى بين شعوب العالم حيث استطاع المسلمون ـ اقتداءً بالتعاليم والقيم