والانشراح والكآبة وغيرها من الحالات النفسية ـ إلّا نتيجة تفاعل هذه الأجزاء المادية بعضها مع البعض الآخر ، وليس وراء هذا التركيب المادي أيّ وجود آخر باسم الروح أو النفس. وقد مثّلوا ترشيح تلك الإحساسات والمشاعر والعواطف بترشّح المواد الكيمياوية من الكبد أو الغدة الصفراء أو ترشّح اللعاب من الغدد.
ومن هنا تكون الروح ـ وفقاً لهذه النظرية ـ أثراً كيمياوياً وانعكاساً للتفاعل المادي بين أعضاء البدن ، وليس للروح جوهر مستقل وحقيقة مستقلة.
أمّا النظرية الثانية ـ التي يتبنّاها الفلاسفة والمتكلّمون الإلهيّون ـ فقد ذهبت إلى أنّ الإنسان في الواقع يتكوّن من عنصرين أساسيّين : عنصر مادي ، وعنصر غير مادي ؛ وأنّ الذي يمثّل حقيقة الإنسان وواقعه هو البعد غير المادي فيه (أي روحه ونفسه) ، وأنّ الروح جوهر مستقل ووجود منفرد ، نعم تربطها بالبدن علاقة وآصرة خاصة ، وذلك باعتبار انّ البدن المادي يمثّل الأداة والآلة والجهاز الذي تستخدمه الروح للعمل والحركة في هذا العالم المادي. وهذا لا يعني أنّ حقيقة الإنسان مكوّنة من جسم وروح ، بل أنّ الواقع فوق ذلك ، فالإنسان هو الروح ، والجسم بمنزلة الكسوة واللباس فقط.
ونحن لسنا هنا بصدد استعراض أدلّة أصحاب النظرية المادية وتحليلها ونقدها ، لأنّ ذلك خارج عن الهدف المنشود وراء تدوين هذه الرسالة ، ولقد فصّلنا البحث في هذه المسألة وأشبعناها بحثاً وتحقيقاً ونقداً في كتابنا «أصالة الروح في القرآن الكريم».
نعم نحاول هنا الإشارة إلى بعض الأدلّة التي أقامها الإلهيّون لإثبات نظريتهم في إثبات وجود الروح ، وأنّها هي التي تمثّل الحقيقة الإنسانية ، علماً أنّهم قد سلّطوا الأضواء على جميع أبعاد القضية وأشبعوها بحثاً ، وأقاموا لإثبات