فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (١)
إنّ لفظة «يتوفّى» والتي تعني الأخذ بصورة كاملة ، وكذلك مصطلحي «الإمساك» و «الإرسال» تدلّ جميعها على أنّ هناك جوهراً ووجوداً غير البدن المادي في الكيان الإنساني يتعلّق به «التوفّي» و «الإمساك» و «الإرسال» ، وليس المراد من التوفّي في الآية إلّا أخذ الأنفس وقبضها ، ومعنى ذلك أنّه سبحانه يقبض الأنفس إليه ، وقت موتها وفي منامها ، بيد أنّ من قضى عليه بالموت يمسك روحه إلى يوم القيامة ولا يسمح لها بالعودة إلى الحياة الدنيا ، ومن لم يقض عليه به يرسل روحه إلى الدنيا إلى أجل مسمّى.
ومن البديهي انّ شخصية الإنسان لو كانت تتمثّل في جسمه وبدنه المادي ، لما كان استعمال هذه المصطلحات والمفاهيم ـ من قبيل : «التوفّي» ، «الإمساك» ، «الإرسال» ـ استعمالاً صحيحاً ، لأنّ هذه المصطلحات إنّما تصدق في مجال الحديث عن الروح لا البدن ، وفي هذا دلالة واضحة على وجود الروح واستقلاليتها ، لأنّه من المستحيل إمساك المعدوم أو غير الموجود. وبما أنّه سبحانه عبّر بالإمساك ، وعرفنا أنّ هذا الإمساك لم يتعلّق بالبدن فلا بدّ من الإذعان أنّه يتعلّق بالروح ، وهذا خير دليل على وجودها وتجرّدها.
٢. حقيقة الإنسان وواقعه عند الله سبحانه
لقد تعرّض القرآن الكريم لبيان الإشكال الذي أثاره المشركون حول معاد الإنسان ، فقال سبحانه حاكياً شبهتهم : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ
__________________
(١) الزمر : ٤٢.