استحالة ذلك ومنعه ، لا يحق لنا رفع اليد عن هذا الظهور أبداً.
وقد يثار التساؤل التالي : أليس من الممكن تأويل الآية بإرجاعها إلى سؤال علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى استظهاراً من قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (١) ، وحينئذ لا يكون في الآية السابقة أيّة دلالة على إمكانية الاتّصال بالعالم الآخر فضلاً عن وقوعه.
والجواب : انّ هذا الاحتمال باطل جداً ، والدليل على بطلانه هو :
أوّلاً : انّ تفسير آية بآية أُخرى إنّما يصحّ إذا كانت الآية الأُولى مبهمة وتحتاج إلى نوع من البيان والتوضيح ، فحينئذ تكون الاستعانة بآية أُخرى لرفع هذا الإبهام أمراً ضرورياً وموضوعياً ، وأمّا إذا كانت الآية الأُولى خالية من الإبهام والتعقيد فلا معنى لرفع اليد عن ظهورها وتأويلها بنحو ينسجم مع آية أُخرى ، إذ لا منافاة بين الآيتين فمن الممكن للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسأل كلا الطائفتين ، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار انّ هذه الآية الواردة في سورة يونس راجعة إلى سؤال الأُمّة من علماء بني إسرائيل وقرّاء كتبهم ، وهذا بخلاف قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) فإنّها خطاب للنبي حقيقة.
وأمّا الآية الأُولى فهي وإن كان الخطاب فيها موجّهاً إلى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا أنّ الخطاب موجّه إلى الأُمّة لتسأل هي بدورها علماء بني إسرائيل.
والشاهد على هذا المدّعى وانّه سبحانه قد وضع تحت اختيار الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم طريقين ، هو قوله تعالى في الآية التالية :
__________________
(١) يونس : ٩٤.