فإنّ طرق باب الأسباب والسعي والمثابرة على تحصيلها لا يُنافي التوحيد والتوكل عليه سبحانه طرفة عين أبداً ، لأنّ الموحّد حينما يطرق باب الأسباب الطبيعية أو غيرها إنّما يطرقها وهو يعلم علم اليقين انّها أسباب وعلل تبعية ، كلّ ما يصدر منها إنّما هو تجليات ومظهر للإرادة الفاعلة المطلقة المتمثّلة به سبحانه.
وبالطبع لا فرق هنا بين الطلبات التي يبغيها المتوسل ، مادية كانت أم معنوية.
من هنا نجد القرآن الكريم يحثّ المؤمنين الموحّدين على طلب الوسيلة واعتماد طريق الأسباب والوسائط حيث يقول سبحانه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (١)
وينبغي هنا أن نتعرف على المراد من «تحصيل الوسيلة» الوارد في الآية ، وما المقصود منه؟
لقد ذكر أصحاب المعاجم اللغوية ثلاثة استعمالات أو معان للوسيلة هما :
١. المقام والمنزلة :
قال في «مجمع البيان» : وقيل الوسيلة أفضل درجات الجنة ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال :
«سلوا الله لي الوسيلة فإنّها درجة في الجنة ...». (٢)
٢. الوسيلة : القربة ، ووسل فلان إلى الله وسيلة إذا عمل عملاً تقرّب به
__________________
(١) المائدة : ٣٥.
(٢) مجمع البيان : ٣ / ٢٩٣.