وأمّا التكليف الذي يقع على عاتق الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيتمثّل بالاستغفار للزائر إذا جاء إلى حضرته وطلب ذلك منه.
ثمّ إنّ الملاحظ من مجموع الآداب والسنن الخاصة بالزيارة انّها تعتبر التوسّل بعد رحيله صلىاللهعليهوآلهوسلم كالتوسّل به في حال حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وانّه لا فرق أبداً بين الحالتين في اعتماد هذه الوسيلة للتقرّب إلى الله وطلب المغفرة منه.
ابن تيميّة وأتباعه
ذهب ابن تيمية وأتباعه إلى التفريق بين طلب الدعاء في حال الحياة فقالوا بجواز ذلك وبين طلبه بعد وفاته فقالوا بحرمته ، قال الآلوسي في تفسير قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : وتحقيق الكلام في المقام أنّ الاستغاثة بمخلوق وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه لا شكّ في جوازه إن كان المطلوب منه حيّاً ، وأمّا إذا كان المطلوب منه ميّتاً أو غائباً فلا يستريب عالم أنّه غير جائز وانّه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف. (١)
وفي مقام الرد على هذا الكلام لا بدّ من تحديد منزلة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لدى الله سبحانه ، تلك المنزلة التي دعت إلى أن يحضر المذنبون لديه صلىاللهعليهوآلهوسلم والاستغفار عنده وطلب الاستغفار منه ، فهل هذه المنزلة وذلك المقام نابعان من الوضع الجسماني والعنصر المادي للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بحيث بمجرد انتهاء هذا العنصر بسبب الموت تنتهي جميع لوازمه وتوابعه ، أو أنّ تلك المنزلة والمقام يرتبطان بالعنصر الروحي والنفس الزكية والطهر المعنوي له صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
__________________
(١) روح المعاني : ٦ / ١٢٥ والآية ٣٥ من سورة المائدة.