حاول التمرّد عليه والفرار منه ، حينئذ يعود إلى نفسه ويدرك الحقيقة ويعرف قيمة العمل الصالح في الدنيا ، فيطلب من الله تعالى أن يسمح له بالعودة وأن يرجعه إلى الحياة الدنيا ليتدارك ما فات (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (١) ، وعندئذ جاء الرد الإلهي بقوله : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). (٢)
إذاً المراد من الحائل والمانع هنا هو الحائل والمانع عن العودة والرجوع إلى الحياة الدنيا ، ولا علاقة للآية ، بالمنع عن الارتباط ونفي الصلة بين الأحياء والأموات أبداً ، وبالنتيجة تكون هذه الشبهة واهية كسابقاتها ولا تبتني على أساس محكم ودليل قوي.
الشبهة الرابعة : النبي لا يسمع خطابنا ودعاءنا
تنطلق هذه الشبهة من الفكرة التالية : انّ القرآن الكريم حينما ذم المشركين في عدم تأثرهم بكلام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ودعوته وعدم انصياعهم للحق ، وصفهم بأنّهم كالموتى ، فقال تعالى مخاطباً النبي الأكرم : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (٣) ، وفي آية أُخرى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ). (٤)
وهذا تصريح واضح من القرآن الكريم بأنّ الأصل المسلّم في أنّ الموتى لا يسمعون الخطاب ، ولذلك شبه القرآن الكريم المشركين بهم ، ومن المعلوم أنّ الآيات مطلقة تشمل جميع الموتى بما فيهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن هنا يمكن
__________________
(١) ص : ٣.
(٢) المؤمنون : ١٠٠.
(٣) النمل : ٨٠.
(٤) فاطر : ٢٢.