إنّ هذه الآية في الحقيقة في مقام النهي عن الدعوة المقترنة بالعبادة والخضوع للمدعو ، ولذلك نهت الآية عن هذا النوع من الدعوة ، وأمّا الدعوة المجرّدة من الاعتقاد بكون المدعو إلهاً أو فوض إليه فعل الإله فلا تدل الآية على النهي عنه أبداً.
ولو كانت الآية في مقام النهي عن مطلق الدعاء حتى المجرّد من الاعتقاد المذكور لكانت مخالفة لأمره تعالى ، حيث أمر سبحانه المؤمنين بالحضور عند الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وطلب الاستغفار منه ، كما في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). (١)
وحينئذ يمكن للإنسان أن يدعو الله ويطلب منه المغفرة والتوبة ، وفي نفس الوقت يدعو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويطلب منه أن يستغفر الله له.
وبالنتيجة يكون قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ) النهي عن جعل الشريك له سبحانه ودعوة ذلك الشريك على أنّه ربّ قادر على القيام بالعمل وتلبية الطلب بصورة مستقلة ، أو أنّه قد فوّض إليه فعل الرب.
ونفس هذا الكلام يجري في خصوص الآية الثانية ، وهي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) بقرينة قوله تعالى : (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) فيكون معنى الآية : لا تعبدوا تلك الآلهة المزيفة ولا تخضعوا لها ، لأنّهم (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) ليس لهم امتياز وتفوّق عليكم فما هو المبرر للخضوع لهم وعبادتهم؟!
وعلى هذا الأساس يكون الهدف من نفي دعوة غير الله إلى جنبه تعالى
__________________
(١) النساء : ٦٤.