يكون الفيض المعنوي في عالم الآخرة ، مثل عالم الدنيا يمر عبر قانون الأسباب والمسببات وعلى يد أفراد خاصّين ، لأنّ أولياء الله وعباده الصالحين والملائكة المقرّبين وحملة العرش ، كلّ هؤلاء قد بذلوا عمراً في طاعته سبحانه ، وخطوا خطوات واسعة في طريق العبودية والتذلّل والخشوع له سبحانه ، استحقّوا خلالها التكريم والاحترام ، ولا ريب أنّ إحدى مظاهر التكريم والاحترام لهم تتمثّل في قبول دعائهم ـ تحت شروط خاصة ـ في حقّ المذنبين والمقصرين من عباد الله.
ومن الواضح أنّ القول بالشفاعة لا يعني أنّ أولياء الله يشفعون من دون أيّ قيد أو شرط وبلا رعاية أيّة ضابطة أو قانون ، وكذلك لا يعني القول بالشفاعة أنّ الشفعاء يملكون مقام الشفاعة بالذات ، بل انّ زمام الأُمور يوم القيامة بيده سبحانه ، ووصف (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) من مختصّاته سبحانه وتعالى لا يشاركه فيه أحد مهما كانت منزلته.
نعم ، انّ هذا المالك المطلق أذن لأوليائه من ذوي المنزلة والمقام والقرب منه بالقيام بذلك الفعل والتصرّف ، أعني : الشفاعة.
الشفاعة نوع من التطهير والتنقية
اعتبر القرآن الكريم انّ الموت ليس نهاية الحياة ، بل هو بمنزلة النافذة التي تطل بالإنسان على حياة أُخرى وعالم أوسع وأرحب هو عالم البرزخ ، والذي تختلف فيه الحياة عن الحياة الدنيا بصورة تامّة ، فهناك طائفة معذّبة ، وطائفة تعيش في النعيم والرفاه الإلهي.
وهناك طائفة من المذنبين ممّن حافظوا على العلاقة الإيمانية بالله سبحانه من جهة ، ولم يقطعوا تلك الرابطة وذلك الحبل ، وكذلك حافظوا على علاقتهم المعنوية مع الشفعاء والصالحين ، فإنّ هؤلاء يتعرّضون للعذاب في الحياة البرزخية