مهما كان يستطيع أن يفرض إرادته على إرادة الله سبحانه ، أو يقف أمام القانون الإلهي ، بل انّ حقيقة الشفاعة في الآخرة تستمد وجودها من الرحمة الإلهية الواسعة والمغفرة اللامحدودة والعطف اللامتناهي لله سبحانه ليشمل بذلك كلّه الأفراد الذين استحقوا التطهير والتنزيه من توابع الذنب والرجس.
وأمّا الّذين يحرمون من الفوز بتلك الرحمة الإلهية ، فلا يعني ذلك الحرمان انّ هناك عملية تمييز في القانون وتفضيل لطائفة على طائفة من دون أيّة مبررات عقلائيّة ، بل انّ حرمانهم ذلك نابع من كونهم غير جديرين بأن تشملهم الرحمة والمغفرة الإلهية بسبب فداحة المعاصي وعظم الذنوب وقطعهم للعلاقة الإيمانية مع الله من جهة ومع الشفعاء من جهة أُخرى.
وبعبارة أُخرى : ليست الرحمة الإلهية محدودة كخزانة التاجر أو البنك بحيث تنفد ولا يبقى منها شيء ليعطى للآخرين رغم استحقاقهم لذلك ، بل رحمته واسعة وغير محدودة فلا تنفد خزائن رحمته ، ولكن المشكلة في أنّ المجرم نفسه لا يستحق أن تفاض عليه تلك الرحمة.
فإذا ما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، (١) فما ذلك إلّا لأنّ قلب المشرك كمثل الإناء المغلق بحيث لو ألقيته في سبعة أبحر لما نفذت فيه قطرة من الماء أبداً ، أو مثله كمثل الأرض المالحة التي لا ينبت فيها إثر هطول الأمطار ـ مهما كثرت ـ إلّا الأشواك والنباتات غير النافعة للإنسان والحيوان.
وإذا ما وجدنا القرآن الكريم يؤكد أنّ الشفاعة لا تكون إلّا من نصيب من ارتضى الله شفاعته كما في قوله تعالى :
__________________
(١) النساء : ٤٨ و ١١٦.