وذلك لأنّ العبادات والوظائف الظاهرية ليست هي المرادة والمقصودة بالذات للشارع المقدّس ، وإذا ما أمر بها الإسلام وطالب بالقيام بها وتنفيذها ، فإنّ غرضه هو تحقيق الفوائد والآثار التي تعود على الإنسان من خلالها ، والتقرّب من الله والزلفى لديه سبحانه التي تنتج من خلال القيام بامتثالها ، وكذلك التكامل الروحي الحاصل من ورائها ، فالإنسان المؤمن ومنذ الخطوات الأُولى التي يخطوها في طريق امتثال الأوامر والدساتير الإلهية يكون ـ وبصورة قهرية ـ قد وضع قدمه على طريق التكامل الروحي والاستعداد المعنوي وتنمية الفضائل والملكات الباطنية.
ولا ريب أنّه ليس كلّ من سلك ذلك الطريق قد وصل إلى ذروة الكمال الروحي والمعنوي فيه ، بل الناس فيه مختلفون والمقامات متفاوتة ، وذلك لأنّ القضية ترتبط طردياً بدرجة الانقطاع والعبودية والإخلاص لله سبحانه وتعالى ومن المسلّم به أنّ الناس ليسوا على وتيرة واحدة في الإيمان والطاعة والإخلاص قطعاً.
ولقد وصف الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم المقامات والمنازل العالية لسالكي طريق الحقّ والعبودية ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضتُ عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يُبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه». (١)
إنّ الإمعان في الحديث يكشف عن عمق العظمة والكمال المعنوي والروحي الذي يصل إليه الإنسان من خلال سلوك طريق العبودية لله سبحانه
__________________
(١) صحيح البخاري : ٨ / ١٣١ ، باب ما جاء في الزكاة ؛ ونقله في الكافي : ٢ / ٣٥٢ باختلاف يسير.