والمدبّرية في الله سبحانه لا يعني بحال من الأحوال نفي تأثير الظواهر المادية وغير المادية بعضها بالبعض الآخر ، وذلك لأنّه قد أثبتت آيات الذكر الحكيم وكذلك الأدلّة العلمية والفلسفية أنّ عالم الخلق قائم على سلسلة من العلل والمعاليل ، وبعبارة أُخرى : الأسباب والمسبّبات ، وأنّ الظاهرة المتقدّمة تؤثر ـ وتحت شرائط خاصة ـ في الظاهرة اللاحقة. ولكن جميع تلك التجلّيات «المؤثّر» و «المؤثّرية» و «الأثر» كلّها تخضع لمشيئته وإرادته سبحانه ، فشعاع الشمس ، وتلألؤ القمر ، والإحراق للنار ، ونمو النباتات بواسطة الماء ، وغير ذلك من الظواهر ، كلّها إنّما تعمل عملها وتؤثر أثرها في ظل إرادته سبحانه ، وإذا ما انقطعت الإرادة الإلهية ولو لحظة واحدة لم يبق من عالم الخلق شيء يذكر أبداً.
ولمزيد التوضيح نقول : إنّ في عالم الوجود يوجد سبب واحد يتّصف بالأصالة والواقعية وهو الله سبحانه ، ولكن وفي نفس الوقت يوجد في قلب عالم الوجود سلسلة من الأسباب والعلل الفرعية والتبعية التي تعمل في إطار إرادته ومشيئته سبحانه وتعالى ، فعلى سبيل المثال نمو الأشجار وحياة الإنسان يخضعان لسلسلة من العلل والأسباب الطبيعية بحيث لو انتفت لانتفى وجود النبات والإنسان قطعاً. وهذه الأسباب تتمثّل في الماء والهواء والنور و ... ، ومن هنا يمكن اعتبار تلك الأسباب والعلل من جنود الله سبحانه التي تخضع لأوامره وتمتثل مقرراته سبحانه.
ولقد صرحت الآية ٢٢ من سورة البقرة بهذا المؤثر التبعي ، أو ما يصطلح عليه الفلاسفة ب ـ «المؤثّر الظلي» حيث جاء فيها :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ