من هنا عقدنا العزم لدراسة هذه المسألة الحسّاسة ؛ ولا بدّ من تركيز البحث على هذه النقطة لتنجلي لنا حقيقة الأمر في هذه الأُمور التي يقوم بها المسلمون من طلب الشفاعة والاحتفال ، وما هي حقيقتها؟ وهل هي من الأُمور التي تنافي التوحيد وتعدّ من الشرك أم لا؟ وهل انّ عبادة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم شرك وخروج من التوحيد أو انّ مجرّد تكريمه وتبجيله صلىاللهعليهوآلهوسلم والاحتفال بمولده يعتبر هو الآخر شركاً وخروجاً عن الدين؟
إنّ حلّ هذه الإشكالية والخروج بنتيجة منطقية وعلمية يكمن في دراسة العبادة وتعريفها تعريفاً منطقياً وعلمياً ، لكي نضع الحد المائز بين العبادة وغيرها ومعرفة الأُمور المشكوكة والفصل بين «التكريم» وبين «العبادة» ، فما لم نعرّف العبادة تعريفاً دقيقاً لا يمكن بحال من الأحوال القضاء البات في تلك الإشكالات التي أُثيرت أو تثار في هذا المجال.
التعريف المنطقي للعبادة
إنّ تعريف أيّ مفهوم أو علم ينبغي أن تتوفر فيه ـ بالإضافة إلى الاختصار ـ صفتان ، هما : الجامعية ، والمانعية. بمعنى أن يكون التعريف جامعاً لكلّ أفراده ومصاديقه يشملها ولا يشذّ منه فرد منها ، وأن يكون مانعاً ، بمعنى أنّه يمنع دخول الأغيار ـ المصاديق الغريبة ـ تحت هذا التعريف ولا يسمح لأي فرد غريب في الدخول تحت خيمته. وبالاعتماد على هذه الضابطة لا بدّ أن يكون تعريف العبادة بنحو تتوفّر فيه الخصوصيات المذكورة ليتسنّى لنا من خلالها وضع اليد على المصاديق الحقيقية للعبادة ، وبيان المصاديق المغايرة لها ، وليتسنّى لنا أيضاً تجنب الخلط بين المصاديق بعضها بالبعض الآخر.