إنّ عبادة الله معلولة ووليدة شعورين في داخل الإنسان ، هما : الشعور بكونه تعالى خالقاً ، والآخر الشعور بكونه تعالى ربّاً مدبّراً للعالم قال تعالى :
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ). (١)
وقد أشارت الآية إلى أربعة أُمور وبصورة متسلسلة هي :
ألف : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).
ب : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ).
ج : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ).
وبعد أن أشارت الآية إلى أنّ الله هو الخالق وهو المدبّر وأنّ تأثير جميع الموجودات تابع لإذنه سبحانه وإرادته ، عطفت الكلام على العبادة وحصرها به فقالت : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) باعتباره سبحانه هو الغني المطلق ، وهو الجدير بأن يعبد دون سواه ، لأنّ غيره موجودات فقيرة ومحتاجة فلا تستحق العبادة أبداً. (٢)
__________________
(١) يونس : ٣.
(٢) قد يقال : لما ذا جاء التعبير في الآية المباركة عن المؤثرات الأُخرى بلفظ «الشفيع»؟
والجواب واضح : وذلك لأنّ «شفيع» مأخوذ من «الشفع» بمعنى الزوج ، وهو يقابل الفرد ، وبما أنّ العلل الطبيعية أو أيّ مؤثر آخر في عالم الوجود لا يمكن أن يؤثر ما لم يضم إليه الإذن الإلهي. من هنا أطلق لفظ «الشفيع» على تلك العلل والمؤثرات ، وكأنّ تأثير المؤثرات وفاعلية العلل الأُخرى اقترنت بالمشيئة الإلهية ، وضمّت إليها. فعلى سبيل المثال إذا كان لضياء الشمس ونور القمر والماء دورٌ في نمو النباتات والحيوانات الأُخرى ، فما هي ـ في الحقيقة ـ إلّا مظهراً من مظاهر المشيئة والإرادة الإلهية.