ثمّ إنّ الموحّدين الذين تربّوا في أحضان الرسالة المحمدية ونهلوا من منبع الوحي الإلهي العذب وعينه الصافية ، ساروا في مجال الحقل المعرفي طبقاً للمعارف السماوية ، وخطوا خطوات سريعة في كسب العلم والمعرفة ، فأدركوا أنّ الله هو خالقهم وهو المدبّر لأُمورهم ولا مؤثر في الكون إلّا بإذنه سبحانه ، من هنا خضعوا لله وخشعت قلوبهم له وذلّت أعناقهم أمام هيبته سبحانه ، ووقفوا أمامه رافعين أكفّهم بالدعاء طالبين منه المغفرة ، ومتوسّلين إليه سبحانه في أن يقضي حوائجهم وينجز لهم ما وعدهم وأن يأخذ بأيديهم إلى ما فيه الخير والصلاح ، ساعين إلى كسب رضاه واجتناب سخطه سبحانه من خلال امتثال أوامره والاجتناب عن نواهيه تعالى ، رافضين عبادة غيره من الموجودات الأُخرى مهما كانت ، وكأنّ لسان حال الجميع يقول :
(لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ). (١)
الهدف الذي ينشده المشركون من العبادة
لا شكّ انّ تكريم وتبجيل وتعظيم المشركين لمعبوداتهم يُعدّ عبادة لها وإن كانت تلك العبادة باطلة ولا تجدي نفعاً ولا تدفع ضرراً.
ولكن لا بدّ من تركيز البحث على معرفة الأهداف والغايات التي ينشدها المشركون ويبغونها من وراء عبادتهم لتلك الآلهة الباطلة والمزيّفة. وقبل أن نشرع في بيان تلك الأهداف والغايات لا بدّ من تقديم البحث عن مسألة أُخرى وهي : الإشارة إلى المراحل والمراتب المختلفة للشرك.
نقول : ينقسم المشركون على هذا الصعيد إلى قسمين أو طائفتين ، هما :
__________________
(١) يونس : ٤٩.