ولم تمض فترة طويلة حتى قوبلت أفكاره بمواجهة قوية من قبل كبار العلماء والمفكّرين المسلمين في ذلك الوقت ، وقد أخذت تلك المواجهات أبعاداً مختلفة كالمناظرات والرسائل والمحاضرات و ... ممّا أدّى إلى انحسار أفكاره وانزوائها في مطاوي الكتب ، التي دوّنها هو أو تلميذه ابن قيم الجوزية (٦٩١ ـ ٧٥١ ه ـ) ، ولكن بعد مرور أربعة قرون من وفاته انبرى محمد بن عبد الوهاب النجدي (١١١٥ ـ ١٢٠٦ ه ـ) لإحياء تلك الأفكار الدفينة وانتشالها من بين الانقاض وإزاحة الركام عنها ، وإعادتها إلى الساحة الفكرية الإسلامية من جديد ، وسعى لنشرها والدفاع عنها ومواجهة كلّ من يتصدّى لها ، وقد أعانه وآزره في حركته هذه أُسرة آل سعود ، ومع كلّ تلك المعونة والدعم لم يتمكّن الرجل من تجاوز حدود نجد ، ولم يوفق لنشر أفكاره خارج تلك المنطقة.
ولكن بعد سقوط الدولة العثمانية وتصدّي آل سعود لسدة الحكم في الجزيرة وبسط نفوذهم على المراكز المهمة كمكة والمدينة ، توفّرت الظروف للحركة في الانتشار ، خاصة بعد اكتشاف النفط وزيادة العائدات المالية ، بحيث استطاعت أن تسخّر الأقلام المأجورة لنشر أفكارها والتبليغ لمبادئها ، وقد قام أصحاب تلك الأقلام بالمهمة الموكلة إليهم تحت إغراء الأموال التي كانت تتدفق عليهم.
وقد تصدّى لهذه الأفكار كبار المفكّرين المسلمين ـ شيعة وسنّة ـ في العراق والشام ومصر ، وقاموا بالمهمة الملقاة على عاتقهم في الرد عليها وبيان زيفها ، وستأتي الإشارة إلى بعض تلك الشخصيات التي قامت بذلك وأسماء مصنّفاتهم في مطاوي هذا الكتاب وخاصة في الفصل العاشر منه إن شاء الله تعالى.
ونحن بدورنا نحاول في هذه المقدّمة تقييم تلك المعتقدات بصورة إجمالية ،