من هاهنا نبتدئ الجواب ، ومن الله نستمد الصواب :
المسألة الأولى [هل العالم والعلم حقيقتان أم حقيقة واحدة]
قال تولى الله هدايته : هل العالم والعلم حقيقتان ، أو هما واحد في الحكم ؛ فيكون ما دل على أحدهما دل على الآخر ، أو ليس كذلك؟
الجواب [عندنا] (١) : إن العالم والعلم حقيقتان ؛ والمراد بذلك أنهما ذاتان ، يعلم كل واحد منهما على انفراده ؛ لأنا نعلم الواحد منا بالمشاهدة ، ونعلم العلم الذي لأجله كان عالما بالاستدلال ، فلو كانا حقيقة واحدة لم يصح أن يجتمع العلم بهما من جهة الضرورة التي هي المشاهدة ، ومن جهة الاستدلال ؛ لأن من حق المستدل أن يكون حال استدلاله مجوّزا مميلا ، والعلم الضروري بل العلم الاستدلالي مانع من التجويز ، فقد صح لك تنافيهما ، ولا يصح الاجتماع مع التنافي ، ولأنه قد يعلم العالم من لا يعلم العلم ، كنفاة الأعراض ومن قال بقولهم ، ولو كانا حقيقة واحدة لم يصح ذلك ؛ لأن العلم بالشيء والجهل به في حالة واحدة لا يجوز ، فدل ذلك على أنهما ليسا بشيء واحد ، ولا حقيقة واحدة ؛ وكون العلم يدل على العالم ، والعالم يدل على العلم لا يقتضي ما ذكره [من أنهما](٢) يصيران حقيقة واحدة ؛ لأن حدث العالم دال على الباري من حيث الصنعة ، والباري دال على حدث العالم من حيث إكمال العقول والتمكين ، ولم يقتض ذلك كونهما حقيقة واحدة ؛ ولأن حقيقة العالم هو المختص بصفة لاختصاصه بها ، يصح منه إيجاد
__________________
(١) سقط من (أ).
(٢) في (أ) : لأنهما.