أمر طارئ عند الإيجاد ، إن أراد بذلك الأمر كونه قادرا على الإيجاد ، وأنه طرأ عند الإيجاد ، فذلك باطل بما قدمنا من أنه قادر لذاته فلا يقف كونه قادرا على أمر ؛ لاستحالة ذلك بما ذكرنا ؛ وإن أراد بالأمر إرادة الباري واختياره الإيجاد في آن دون آن فمسلم ؛ غير أن الأجسام والإرادة ليستا موجبتين للمراد ، وإنما الداعي إلى المراد يدعو إليهما ، وليسا بمقصودين في أنفسهما.
وقوله : هل يكون قادرا ولا مقدور؟ إن أراد هل يجوز كونه قادرا ، ولا يصح منه إيجاد مقدوره ، فذلك مناقضة ظاهرة ، لأنا لا نعني بالقادر إلا من يصح منه الفعل ، وإن أراد هل يكون قادرا ومقدوره معدوم فذلك شرط عندنا في كونه قادرا عليه ؛ لأنه لو كان موجودا لاستحال منه إيجاده ؛ لما بينا أولا من أنه لو كان موجودا لاستغنى عن موجود بوجوده ، فالقادر إنما يوجد المعدوم ، ويحصل له صفة الوجود ، فإذا كان موجودا استغنى عن موجد يوجده ، فالقادر إنما يوجد المعدوم ويحصل له صفة الوجود ، فإذا كان موجودا استغنى عن موجد ، والباري عزوجل متفضل بخلق العالم ؛ لأنه لا دليل يوجب ذلك عليه فيوجد قدرا من مقدوراته دون قدر ، وجنسا دون جنس ، فلا يجب استمرار الإيجاد لفقد الموجب له ، ولا اعتراض على المختار الحكيم فيما اختاره ، فلا يلزم إلا ما قلنا والله الهادي.
المسألة السادسة عشر [ما الحكم المميز بين ذاتي القادر والمقدور؟]
قال تولى الله هدايته : إن صح أن المقدور معه فيما لم يزل ، فما الحكم المميز بين ذاتي القادر والمقدور وقد وجب لهما حكم [المقدور] (١)؟
__________________
(١) كذا في (أ) ، وفي (ب) حكم الأول.