حتى يوجد ما لا نهاية له ، وقد بينا أن ما لا نهاية له هو ما لا غاية له يقف عندها ، فلو قدرنا وجوده لكان غاية قد وقف عندها ما قبلها ، وكان ما فيه من الحوادث متناهيا لوقوفه عنده ، يوضح ذلك ما نعلمه من أن الواحد منا لو قال : لا أدخل هذه الدار حتى أدخل قبلها ما لا نهاية له من الدور ، فإنه متى كان صادقا لم يحصل منه دخولها أصلا ، وقد أدى القول بإثبات فضول على الوجه الذي ذكره إلى المحال ، وهو تعذر وجود المقدور الذي قد قامت الدلالة على وجوده وبطلان تعذره ، وما أدى إلى المحال فهو محال يبطل القول بإثبات فضل على ما ذكره ، ولا يلزم من إثبات فضل على ما ذكره قدمه ، إذ لا يعني بالفصل بين القديم والمحدث سوى أن المحدث لوجوده أول وأن القديم لا أول لوجوده ، لأنا قد علمنا الفضل بين ما وجد منذ يومين وبين ما وجد منذ يوم ، فكيف لا يعلم الفضل بين القديم الذي لا أول لوجوده ولا غاية وبين المحدث الذي لوجوده أول وغاية ، وأكثر ما ذكرناه داخل تحت ما قدمنا ، لكنه كرر السؤال فكررنا الجواب.
المسألة الثالثة والعشرون [هل الله تعالى مريد بإرادة أم مريد بذاته؟ وما هو محل الإرادة]
قال تولى الله هدايته : ثم ننتقل إلى حكم كونه تعالى مريدا لالتقاء البشر والذهول فيقول : إنه تعالى مريدا لذاته أو مريدا بإرادة ، وإن كان ذلك يطرد في الحكمين اللذين قدمنا السؤال عنهما ، ولما كان الحكم واحد كان ما يجاب به في هذه المسألة مطّرد في الجملة ، فإن يكن تعالى مريدا لذاته فما الوجه في وجوب تخصيص المرادات ، وإن يكن مريدا [بإرادة](١) فهل الإرادة والذات حقيقة واحدة ، فيرجع القول إلى أنه مريدا للذات أو حقيقتان ، فيحصل من قولنا : ذات حقيقة
__________________
(١) في (أ) : بإيراده.