يحدثها القديم سبحانه ؛ لأجل أن كل قادر سواه لا يقدر على الاختراع ، وهو أن يوجد الفعل ابتداء لا في محل قدرته ، لكونه قادرا لقدرة ، ووجود الإرادة لا في محل لا يصح إلا على جهة الاختراع ، ولا يقدر على الاختراع إلا الله سبحانه لكونه قادرا لذاته ، فلزمه (١) ألّا يقدر على إيجاد الإرادة في غير محل إلا هو سبحانه ، فأما قوله : كيف توصف الذات بما أحدثه غيره؟ فذلك غير مستحيل ، كما أنا نصف الواحد منا بأنه موجود وبأنه عالم بالضروريات ، وإن كان الموجد له والفاعل للعلم [الضروري] (٢) فيه الله سبحانه ، فقد رأيت كيف وصف بما فعله غيره ووجوب الصفة له لأجل فعل غيره ، فقد بطل القول بأنه لا يجوز أن يوصف بما فعله غيره ، وإن كانت إرادة الباري تعالى عندنا لا تجوز أن يكون فاعلها سواه لما قدمنا.
وأما صحة وصف ذاته بأعيان محدثاته ، إذا لم تكن الصفة ذاتية وكانت معنوية ، فلا مانع من ذلك وهو شائع فلا معنى لإنكاره ، ألا ترى أن الواحد منا يقف كونه عالما بعلمه استدلالا على علم يوجده ، وكذلك كونه مريدا على إرادة يحدثها ، فهلا جاز في الباري تقدس مثله ، وهو أن يكون مريدا بإرادة يحدثها ، وقد قامت الأدلة على ذلك وجه لمخالفته.
المسألة التاسعة والعشرون [هل أحدث الله إرادته بإرادة أخرى]
قال تولى الله هدايته : وأيضا فإن كان هو يحدثها (٣) ، فهل أحدثها بإرادة أخرى سبقت ومرّ إلى التسلسل ، أو أحدثها ولا إرادة ، فيحصل عنه إحداث مراد ولا إرادة؟
__________________
(١) في (ب) : فلهذا.
(٢) سقط من (أ).
(٣) في (ب) : محدثها.