في جميع الحالات وصفا لا ينتهي فيه إلى حاجز ولا رادع ، بل نطلق القول بذلك إطلاقا ، وقد يقال : فلان جواد ، ومنعم ، ورازق ، إذا كان رازقا في الحال منعما جائدا ، فإن وصف الباري بالمعنى الأول صاغ ذلك لما قدمنا على ما قدمنا ، وإن وصف بالمعنى الثاني لم يجز إجراء ذلك عليه في الأزل لاستحالة وجود الرزق والمرزوق في الأزل ؛ لأن وجود ذلك في الأزل يخرج الرزق عن كونه رزقا ، والمرزوق عن كونه مرزوقا ، والرازق عن كونه رازقا في الحال ، ويوجب الجميع للإلهية ، ويذهب عن الباري تعالى الوحدانية ، والأدلة العقلية والسمعية باطلة ببطلان ذلك ، وبطلان ما أدى إليه.
هذا القدر من الكلام في هذه المسألة كاف لمن أنصف نفسه ، وملك عقله ، ونبذ رأي الهوى وراء ظهره ، وجعل طلب السلامة نصب عينيه ، وقد تقدم الجواب عمّا لزم في الفصل المقدر زمانا في موضعه فلا معنى لإعادته.
المسألة السادسة والثلاثون [هل يصح أن يقال أن يستحق الله صفة لم تكن أزلية؟]
قال تولى الله هدايته : وهل يجوز فيما لم يزل قبل إيجاد المحدث بالفضل الذي تقديره زمانا إن وجب ذلك الفضل كان لا منعما ولا رازقا ولا خالقا فيقع الإمساك عن الفعل فيما لم يزل إلى أن أنعم وخلق ورزق ، فيحدث استحقاق الصفة بحدوث الفعل باستحداث المنعم عليه المرزوق وحدوث الصفة أو ينفي عن القديم القدم أفتنا يرحمك الله؟
الجواب : قد بيّنا في المسألة التي قبل هذه كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفة ، وأنها تطلق على معنيين : أحدهما : يجوز إطلاقه عليه سبحانه أزلا وأبدا ،