جهالات ، منها إيصال ذلك بما لا يتناهى ، وموضع تقرير هذا وتحقيقه أصول الدين ، فإن كان قد أخذ بحظه من ذلك وإلا فهو في أوانه قبل إحياء (١) السؤال في موقف الحساب ، فلا معنى لقوله بحدوث الصفة أو قدمها ، وقد بينا في المسألة الأولى أن إطلاق هذه الصفة ـ أعني صفة المنعم والجواد ـ قد يفيد من يقدر على ذلك أو يعلم من حاله أنه يفعل وإن لم يكن في الحال فاعلا.
فعلى هذا يجوز إطلاق ذلك على الباري سبحانه أزلا وأبدا ، وليس لقائل أن يقول : إن ذلك يوهم أن معه سبحانه في الأزل موجودا ؛ لأن من عرف الباري عزوجل وقدرته وعلمه وكمال توحيده ارتفع عنه هذا الإيهام ، ومن لم يعرفه لم يناظر في هذه المسألة.
ونقلنا الكلام معه إلى إثبات ذاته تعالى أولا ، وما يجب لها من الصفات ثانيا ، لأن الكلام فيما يجب في الذات فرع على العلم بها ، وعلى أنّا قد بيّنا أن إطلاق ذلك لا يحتمل ما ذكره إلا باللفظ (٢) المحتمل ، إذا أطلقه العاقل لم يسبق إلى أفهام العقلاء المستحيل منه ، بل يحملونه على الممكن ، وقد يقال فيه تعالى : إنه رازق وجواد ومنعم ؛ ويراد بذلك وجود الرزق والجود والنعمة من جهته وهذا غير ثابت له سبحانه في الأزل ، وهو وصف إضافي يستدعي وجود المرزوق والمجود عليه والمنعم عليه ، ووجودها في الأزل مستحيل كما قدمنا ، وليس بمقيد لصفة وحاله يرجع إلى ذاته تعالى ، فهذه فتواك عما سألت أرشدك الله.
المسألة السابعة والثلاثون [كيف يوصف الله تعالى قبل الخلق بأنه رازق ونحو ذلك؟]
قال تولى الله هدايته : هل أن شرط كونه منعما رازقا فيما لم يزل ولا منعما
__________________
(١) كذا في (ب) وفي (أ) احفيا بدون نقاط.
(٢) في (ب) : لأن اللفظ.