يجوز أن يكون الباري تعالى متحيزا ؛ لأن ذلك يوجب حدوثه ، والدلالة قائمة على وجوب قدمه ، وإن لزم ما ذكر فإنما يلزم المجبرة القائلين بأن كلام القديم معنى زائد على ما ذكرنا وأنه قائم بذاته ، ولو أردنا التشعيب عليه فيما ذكره لفعلنا إلا أن نصرة الباطل لم توجّه علينا.
المسألة الأربعون [هل ما نعرفه من كلام الله حكاية للكلام القديم القائم بالله؟]
قال تولى الله هدايته : وهل يصح أن يكون المعنى القائم بقلوبنا حكاية لذلك المعنى القديم القائم بذات الإله أعني كلامه الذي به وصف متكلما وله بذاته اختصاص ، والحكاية مثال على الحقيقة ، والقديم لا مثال له إذ لو صح ذلك لصح في الإله؟
الجواب عن هذه المسألة على نحو الجواب عمّا تقدم فلا وجه لتطويل الكلام ؛ لأنّا قد أبطلنا فيما تقدم كون كلامه تعالى قديما ، وبيّنا أن الكلام فعله ومن حق الفاعل أن يتقدم على فعله وما يتقدمه (١) غيره فهو محدث ، وأنه لو كان الكلام [قديما] (٢) لوجب بما يليه للباري سبحانه لمشاركته له في مقتضى صفة الذات وهي القدم ، والاشتراك فيها على الوجه الذي يكشف عن المقتضى يوجب الاشتراك في المقتضى ، والاشتراك فيه يوجب المماثلة ، والمماثلة ترفع الكلام عن كونه صفة وكلاما إلى كونه موصوفا ومتكلما وذلك يوجب كونه إلها ثانيا.
ودلالة الوحدانية مانعة من ذلك فبطل أن يكون الكلام قديما ، وإذا بطل كونه
__________________
(١) في (ب) : وما يقدمه.
(٢) في (ب) : قديما ، وفي (أ) : قائما.