(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] فبان أنما ذكره إنما يلزم على المسامحة ، وهو أن يكون الباري تعالى عن ذلك غائبا بخطابه بغير موجود ، وإلا فيلزمهم ما هو أعظم من ذلك عند الله ، وهو أن يكون الكلام إلها ثانيا ، وربا متعاليا ، إذا حققوا قدمه ، وقالوا : لا أول لوجوده ، وذلك يخرجه عن كونه كلاما ، فأما نحن فنذهب إلى أن الله تعالى لما اصطفى موسى للرسالة واجتباه بالنبوة وتلاح له بالنور من جانب الطور الأيمن في البقعة المباركة ، وأوفض إليه موسى منصدا (١) بالاقتباس جذوة أو شهاب ، كما ذكر سبحانه في الكتاب ، فلما جزع الوادي المقدس أحدث القديم تعالى في الشجرة كلاما أفهم به كليمه مراده إفهاما ، وأورثه ذلك في الآخرين تبجيلا وإكراما ، وتشريفا وإعظاما ، فخلع النعلين ، وألقى العصا ، وأخرج اليد من غير سوء بيضاء ، فسار إلى فرعون وملائه بتسع آيات بينات ، فصار كليم الله من بين النبيين سلام الله عليهم أجمعين إذ أسمعه كلاما لا بواسطة حي سواه ، في أول ما أرسله واجتباه ، وقربه وناجاه ، وسائر الرسل كرم الله وجوههم ، وأعلى في دار كرامته منازلهم ، كان الكلام ينتهي إليهم تنزيلا على لسان الروح الأمين ـ صلىاللهعليهوسلم وعلى إخوانه الملائكة المقربين ـ فكانت تلك فضيلة خص الله بها موسى صلى الله عليه وهو بها جدير ، وذلك فضل يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم الكبير.
المسألة الثانية والأربعون [في كلام الله أيضا]
قال تولى الله هدايته : وهل إن كان محدثا وهو معنى فقط فلا يصح إحداثه إلا في محل ويعرضه قلب أمين الوحي جبريل صلى الله عليه ، وإذا كان هكذا فهو كلام
__________________
(١) في (أ) : منصدا ، وفي (ب) : متصدرا.