قلت : ولم يتعين ما قال ، بل فيه دلالة على أنه كان يؤمن بالبعث مثل غيره من عقلاء الجاهلية كقسّ بن ساعدة ، وزيد بن عمرو ، وكيف يخفى على أبي عمر أنه قالها قبل أن يسلم مع القصة المشهورة في السير لعثمان بن مظعون مع لبيد لما أنشد قريشا هذه القصيدة بعينها ، فلما قال : ألا كلّ شيء ... قال له عثمان : صدقت ، فلما قال : وكلّ نعيم لا محالة زائل ـ قال له عثمان : كذبت ، نعيم الجنة لا يزول ، فغضب لبيد ، وكادت قريش تضرب سيفهم على وجهه ، إنما كان هذا قبل أن يسلم لبيد.
نعم ، ويحتمل أن يكون زاد هذا البيت بخصوصه بعد أن أسلم ، ويكون مراد من قال : إنه لم ينظم شعرا منذ أسلم ، يريد شعرا كاملا لا تكميلا لقصيدة سبق نظمه لها. وبالله التوفيق.
وقال أبو حاتم السّجستاني في المعمرين. عن أشياخه ، قالوا : عاش لبيد مائة وعشرين سنة ، وأدرك الإسلام فأسلم ، قال : وسمعت الأصمعي يقول : كتب معاوية إلى زياد أن أجعل أعطيات الناس في ألفين ، وكان عطاء لبيد ألفين ، وخمسمائة ، فقال له زياد : أبا عقيل ، هذان الخراجان ، فما بال هذه العلاوة؟ قال : الحق الخراجين بالعلاوة ، فإنك لا تلبث إلا قليلا حتى يصير لك الخراجان والعلاوة ، قال : فأكملها له زياد ولم يكملها لغيره ، فلما أخذ لبيد عطاء آخر حتى مات.
وحكى الرّياشيّ ، وهو في ديوان شعره ، من غير رواية أبي سعيد السكري ، قال : لما اشتد الجدب على مضر بدعوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفد عليه وفد قيس ، وفيهم لبيد فأنشده :
أتيناك يا خير البريّة كلّها |
|
لترحمنا ممّا لقينا من الأزل |
أتيناك والعذراء تدمى لبانها |
|
وقد ذهلت أمّ الصّبيّ عن الطّفل |
فإن تدع بالسّقيا وبالعفو ترسل |
|
السّماء والأمر يبقى على الأصل |
وألقى تكنّيه الشّجاع استكانة |
|
من الجوع صمتا لا يمرّ ولا يحلي |
[الطويل]
وفي الصحيحين ، عن أبي هريرة ـ مرفوعا : أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :
[الطويل]
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل
__________________
ربيعة ص ١٣٢ يروي الحصائل وهي الحسنات والسيئات معا.