الكفر منه ونهاه عنه ، وأيّ عاقل يرضى لنفسه نسبة السّفه إلى الله تعالى وهو الحكيم في أفعاله ، كما قال : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (١) ووصف نفسه بأنّه حكيم (٢) وقولهم يضادّ ذلك ؛ فإن اعتذروا بأنّ الأمر قد يتحقّق بدون الإرادة ، كما في السيّد إذا ضرب عبده ، وطلب السّلطان الانتقام منه ، فاعتذر بأنّه لا يطيعني ، فيقول له السّلطان : مره حتّى أعرف عدم إطاعته ، فإنّ السيّد إذا أمره لم يرد منه الفعل.
قلنا : هذا خطأ من وجوه :
أوّلها : إنّه مثال جزئي لا نظير له ، ولا مثال سواه ، فكيف يصحّ منّا حمل أوامر الله تعالى ونواهيه ، وأوامر العقلاء ونواهيهم على هذه المثال الجزئي النّادر ، مع أنّ جميع الأوامر والنّواهي لا ينفكّ عن الإرادة والكراهة؟
وثانيها : إنّا نمنع أمر السيّد هنا بل يوجد صيغة الأمر ولا يأمره أمرا حقيقيّا.
وثالثها : إنّ السيّد كما لا يريد الفعل ، كذا لا يطلبه ، فإنّ السيّد يطلب إقامة عذره وتمهيده عند السّلطان ، وليس ذلك بطلب الفعل منه كما أنّه ليس بإرادته ، فإذا امتنعت الإرادة هنا يمتنع الطلب مع اتّفاقهم على إثبات طلب الفعل منه.
ورابعها : إنّ السيّد يكره على الأمر بما لا يريد والبحث إنّما هو في غير المكره ، ولا يلزم من الانفكاك عند الإكراه الانفكاك مع الاختيار.
الثّامن :
يلزم جواز أن يعذّب الله تعالى سيّد الرّسل العذاب الدّائم ، ويخلّد إبليس
__________________
(١) سورة الملك (٦٧) : ٣.
(٢) جاء وصفه تعالى بأنّه حكيم في أكثر من سبع وثلاثين آية ، فراجع القرآن.