منزله ومعه السّلطان والنّاس ، وهو منحني. فلمّا ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم ، فوقعت يدي على موضع الضّرب فصاح ، فنحّيت يدي ، فنزل متوكّئا عليّ ، وأغلق الباب ودخلنا معه ، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر يتحرّك إلّا بجهد ، وخلع ما كان عليه ، فأمر به فبيع ، وأخذ ثمنه فتصدّق به. وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره ، وذلك أنّه ترك فيما حكي لنا عند الإياس منه. وبلغنا أنّ المعتصم ندم وأسقط في يده حتّى صحّ. فكان صاحب خبر إسحاق يأتينا كلّ يوم يتعرّف خبره حتّى صحّ ، وبقيت إبهاماه متخلعتين تضربان عليه في البرد حتّى يسخّن له الماء.
ولمّا أردنا علاجه خفنا أن يدسّ ابن أبي دؤاد سمّا إلى المعالج ، فعملنا الدّواء والمراهم في منزلنا. وسمعته يقول : كلّ من ذكرني في حلّ إلّا مبتدع. وقد جعلت أبا إسحاق ، يعني المعتصم ، في حلّ. ورأيت الله تعالى يقول : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (١) وأمر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أبا بكر بالعفو في قصّة مسطح.
قال أبو عبد الله : العفو أفضل ، وما ينفعك أن يعذّب أخوك المسلم في سبيلك.
فصل في محنته من الواثق
قال حنبل : ولم يزل أبو عبد الله بعد أن بريء من مرضه يحضر الجمعة والجماعة ويفتي ويحدّث حتّى مات المعتصم ، وولي ابنه الواثق ، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه. فلمّا اشتدّ الأمر على أهل بغداد ، وأظهرت القضاة المحنة ، وفرّق بين فضل الأنماطيّ وامرأته ، وبين أبي صالح وامرأته ، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ويعيد الصّلاة إذا رجع ويقول : الجمعة تؤتي لفضلها ، والصّلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة.
وجاء نفر إلى أبي عبد الله وقالوا : هذا الأمر قد فشا وتفاقم ، ونحن نخافه على أكثر من هذا. وذكروا أنّ ابن أبي دؤاد أراد أن يأمر المعلّمين بتعليم
__________________
(١) سورة النور ، الآية ٢٢.