المتوكّل ، فأمر بإحضاره ، فحمل على البريد. فلمّا سمع كلامه ولع به ، وأحبّه وأكرمه ، حتّى أنّه لو كان إذا ذكر العلماء يقول : إذا ذكر الصّالحون فحي هلا بذي النّون (١).
وقال عليّ بن حاتم : سمعت ذا النّون يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال يوسف بن الحسين : سمعت ذا النّون يقول : مهما تصوّر في وهمك ، فالله بخلاف ذلك.
وقال : سمعت ذا النّون يقول : الاستغفار اسم جامع لمعان كثيرة ، أوّلهنّ : النّدم على ما مضى ، والثّاني : العزم على ترك الرجوع ، والثالث : أداء كلّ فرض ضيّعته فيما بينك وبين الله ، والرابع : ردّ المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها ، والخامس : إذابة كلّ لحم ودم نبت على الحرام ، والسّادس : إذاقة البدن ألم الطّاعة كما وجدت حلاوة المعصية.
وعن عمرو السّرّاج قال : قلت لذي النّون كيف خلصت من المتوكّل وقد أمر بقتلك؟
قال : لمّا أوصلني الغلام إلى السّتر رفعه ثمّ قال لي : ادخل.
فنظرت فإذا المتوكّل في غلالة مكشوف الرأس ، وعبيد الله قائم على رأسه متّكئ على السّيف. فعرفت في وجوه القوم الشّرّ. ففتح لي باب ، فقلت في نفسي : يا من ليس في السّماوات قطرات ولا في البحار قطرات ، ولا في ديلج الرّياح دلجات ، ولا في الأرض خبيئات ، ولا في قلوب الخلائق خطرات إلّا وهي عليك دليلات ، ولك شاهدات ، وبربوبيّتك معترفات ، وفي قدرتك متحيّرات. فبالقدرة الّتي تجير بها من في الأرض والسّماوات إلّا صلّيت على محمد وآل محمد ، وأخذت قلبه منّي. فقام إليّ المتوكّل يخطو ، حتّى اعتنقني وقال : أتعبناك يا أبا الفيض. إن تشأ تقيم عندنا فأقم ، وإن تشأ أن تنصرف فانصرف.
فاخترت الانصراف (٢).
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٧٤.
(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٧٧.