النفس إليه ولا يكون عالما به ، والمعلوم خلافه. وبعد فإنه لا يخلو ، إما أن يكون من قبيل الاعتقاد على ما نقوله ، أو مخالفا له ، أو ضدا. لا يجوز أن يكون مخالفا له ، لأنه كان يجب إذا طرأ عليها الجهل أن لا ينفيهما ، لأن الشيء الواحد لا يجوز أن ينفي شيئين مختلفين غير ضدين. ألا ترى أن السواد إذا طرأ على المحل وفيه بياض وحلاوة ، فإنه ينفي البياض دون الحلاوة ولا يجوز أن يكون ضدا ، لأن الضدين لا يجوز احتمالهما معا ، فلم يبق إلا أن يكون من قبيل الاعتقاد على ما نقوله.
شبهتان لأبي الهذيل
وشبهته في هذا الباب ، شبهتان :
إحداهما ، هو أن العلم لو كان من قبيل الاعتقاد لوجب في كل اعتقاد أن يكون علما ، ومعلوم أن اعتقاد التقليد والتبخيت ليس بعلم.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أنا لم نجعل مجرد الاعتقاد علما حتى يلزم ما ذكرته ، وإنما جعلنا العلم اعتقادا واقعا على وجه مخصوص ، وليس كذلك اعتقاد التقليد والتبخيت فإنه غير واقع على ذلك الوجه ، فلا يصح ما أوردته.
والشبهة الثانية ، هو أن العلم لو كان من قبيل الاعتقاد لوجب في كل عالم أن يسمى معتقدا ، ومعلوم أنه تعالى عالم ولا يسمى بذلك ، فليس إلا أن العلم جنس برأسه غير الاعتقاد على ما أقوله.
والجواب عن ذلك أن الذي ذكرته إنما وجب في الواحد منا لأنه عالم بعلم هو اعتقاد مخصوص ، فسمي معتقدا ، وليس كذلك القديم تعالى لأنه عالم لذاته فلا يجوز أن يسمى معتقدا.
والأولى أن يذكر في الجواب عنه ما ذكره الشيخ أبو عبد الله البصري ، وهو أنه تعالى حاصل على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا ، إلا أنه لم يجز إجراء هذا اللفظ على الله تعالى ، لأنه يوهم أن هناك قلبا وضميرا أو عقلا.
وبعد ، فإن لفظ الاعتقاد مجاز فيما استعملنا ، ويشبه بعقد الخيط ، والمجازات لا يجوز إجراؤها على الله تعالى إلا بعد توقيف وإذن سمعي ، فلهذا يوصف القديم تعالى بذلك.