الحاجة إنما تجوز على الأجسام
وتحرير الدلالة على أنه تعالى غني ، هو أنه حي لا تجوز عليه الحاجة فيجب أن يكون غنيا ، وهذه الدلالة مبنية على أصلين : أحدهما ، هو أنه تعالى حي ، وقد تقدم. والثاني ، أنه لا تجوز عليه الحاجة. والذي يدل على ذلك أن الحاجة إنما تجوز على من جازت عليه الشهوة والنفار ، والشهوة والنفار إنما تجوز على من جازت عليه الزيادة والنقصان ، والزيادة والنقصان إنما تجوز على الأجسام ، والله تعالى ليس بجسم ، فيجب أن لا تجوز عليه الحاجة. وإذا لم تجز عليه الحاجة وجب كونه غنيا.
فإن قيل : ولم قلتم ذلك ، وما دليلكم عليه؟
أبو هاشم والشهوة والنفار
قلنا : الدليل عليه ، ما ذكره شيخنا أبو هاشم أن أحدنا إذا أدرك ما تشتهيه النفس فإنه يزداد جسمه ويصح بدنه عليه ، ولو أدرك ما تنفر طبيعته عنه فإنه يضره حتى يورثه الهزال والضعف ، وذلك دلالة دالة على أن الزيادة والنقصان من حكم الشهوة والنفار.
اعتراض أبي إسحاق بن عياش
وقد اعترض هذه الطريقة شيخنا أبو إسحاق بن عياش بأن قال : إن أحدنا قد يشتهي الطين والجبن أشد الشهوة ، ومع ذلك يضره غاية المضرة وينقص بدنه عليه ، وكذا الجماع فإنه تتعلق به الشهوة الشديدة ثم لا يوافقه ، وعلى هذا قال فيه الأطباء ما قالوه. وبالضد من ذلك ، إنه مع نفار طبعه عن الأدوية الكريهة المرة المنفرة وكراهته لها ، قد ينتفع بتناولها أشد الانتفاع وأظهره.
إلا أن أبا هاشم يمكنه الاعتذار عن ذلك ، فيقول : ليست شهوة الطين والجبن بشهوة صادقة وإنما هي شهوة كاذبة ، وأما الأدوية فإنه لا يقع بها الانتفاع وصلاح البدن بل تضر نفسه ونورثه الضعف والهزال ، ثم يصح بدنه على ما يتناوله من الأطعمة الشهية اللذيذة بعد ذلك.
إلا أن الاعتماد على هذه الطريقة غير ممكن ، لأن الجسم إنما يزداد وينقص بالأطعمة والأدوية لمجرى العادة من الله تعالى ، فكيف يجعل ذلك من حكم الشهوة والنفار.