تغليب رأي أبي إسحاق
والطريقة المرضية المعتمدة في ذلك ، ما ذكره شيخنا أبو إسحاق بن عياش ، وهو أنه تعالى لو جازت عليه الشهوة لكان لا يخلو ، إما أن يكون مشتهيا لذاته ، أو لصفة من صفاته ، أو لمعنى ، أو لفاعل. والأقسام كلها باطلة. فليس إلا أن لا يكون مشتهيا أصلا.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون مشتهيا لذاته؟ قلنا : لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون ملجأ إلى خلق المشتهيات وإلى أن يزيد فيها إلى ما لا نهاية له ، لعلمه بأنه ينتفع بها ولا مضرة عليه في الحال ولا في المآل ، وصار الحال فيه تعالى كالحال في أحدنا إذا علم أن بحضرته بدرة ولا ضرر عليه في أخذها لا في الحال ولا في المآل ، فكما أنه يكون ملجأ إلى تناولها والانتفاع بها ، كذلك القديم تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وبهذه الطريقة يعلم أنه تعالى لا يجوز أن يكون مشتهيا لما هو عليه في ذاته ، ولا بالفاعل.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون مشتهيا لمعنى؟ قلنا : لأن ذلك المعنى لا يخلو ، إما أن يكون قديما ، أو محدثا. لا يجوز أن يكون قديما ، لأن القدم صفة من صفات النفس ، والاشتراك فيها يوجب التماثل ، وهذا يوجب في ذلك المعنى أن يكون مثلا لله تعالى ولا مثل له على ما بنينه إن شاء الله تعالى. وبعد ، فكان يجب أن يكون مشتهيا فيما لم يزل ، وذلك يقتضي أن يكون ملجأ إلى خلق المشتهى ، وفي ذلك لزوم قدم العالم وقد دللنا على حدوثه. ولا يجوز أن يكون محدثا لأنه يجب أن يكون ملجأ إلى تحصيل ذلك المعنى وتحصيل المشتهى جميعا ، وصار الحال في ذلك كالحال فيمن يرى بدرة على خطا منه ، فإنه كما يكون ملجأ إلى تناولها ، يكون ملجأ إلى قطع تلك المسافة التي بينه وبينها ، كذلك في مسألتنا ، لو كان القديم تعالى مشتهيا بشهوة محدثة لكان يجب أن يكون ملجأ إلى تحصيل الشهوة والمشتهى ، وذلك محال.
وبهذه الطريقة نعلم أنه تعالى لا يجوز أن يكون نافرا ، لأنه لو كان كذلك لكان ، إما أن يستحقه ذاته ، وذلك يوجب أن يكون ملجأ إن أن لا يخلق شيئا من المنفرات التي خلقها وقد عرف خلافه ، أو يستحقها لما هو عليه في ذاته أو بالفاعل ، وذلك أيضا يوجب ما ذكرناه ، وإما أن يستحقه لمعنى ، وذلك المعنى إما أن يكون قديما وذلك يقتضي أن يكون مثلا لله تعالى أو يكون محدثا وذلك لا يصح لما ذكرناه في الشهوة.