بكونه أبيض حال ، وإنما المرجع بهما إلى حلول السواد في أحد المحلين ، والبياض في المحل الآخر ، وهذا مما لا تأثير له في اقتضاء الخلاف والوفاق. لو لا هذا وإلا كان يجب إذا انتفى عن المحلين السواد والبياض أن يصير المحلان متماثلان بعد أن كانا مختلفين ، وذلك مستحيل.
فإن قال : أليس أن بعض الأجسام تحتمل ما لا يحتمله البعض الآخر ، فإن الحي يحتمل الحياة والجماد لا يحتملها ، والقلب يحتمل الشهوة والعلم واليد لا تحتملهما ، فكيف حكمتم بتماثلهما؟
قيل له : إن الجسم يحتمل ما يحتمله لتحيزه ، والتحيز ثابت في سائر الأجسام فلا جرم ما من جسم إلا ويحتمل مثل ما يحتمله الآخر ، بل عين ما يحتمله الآخر على ما نقوله في التأليف.
فأما ما ذكرته في الجماد والحي ، فلأن الحياة تحتاج في الوجود إلى بنية مخصوصة مركبة من لحم ودم وليس كذلك الجماد ، لا لأن المحل لا يحتملهما.
وكذلك الكلام في العلم فإنه إنما لم يصلح وجوده في اليد ، لاحتياجه في الوجود إلى بنية مثل بنية القلب. يبين ذلك أنا لو قدرنا أن بنية اليد مثل بنية القلب ، أو الجماد مثل الحي ، لصح وجود هذه المعاني فيها.
الله شيء لا كالأشياء :
فإن قيل : أليس عندكم أنه تعالى شيء لا كالأشياء ، وقادر لا كالقادرين ، وعالم لا كالعالمين ، فهلا جاز أن يكون جسما لا كالأجسام؟.
قيل له : إن الشيء اسم يقع على ما يصح ما يعلم ويخبر عنه ، ويتناول المتماثل والمختلف والمتضاد ، لهذا يقال في السواد والبياض أنهما شيئان متضادان. فإذا قلنا : إنه تعالى شيء لا كالأشياء فلا يتناقض كلامنا ، لأنا لم نثبت بأول كلامنا ما نفيناه بآخره. وكذا إذا قلنا : إنه تعالى قادر لا كالقادرين ، وعالم لا كالعالمين فالمراد به أنه قادر لذاته ، وعالم لذاته ، وغيره قادر لمعنى وعالم لمعنى ، وليس كذلك ما ذكرتموه ، لأن الجسم هو ما يكون طويلا عريضا عميقا ، فإذا قلتم : إنه جسم فقد أثبتم له الطول والعرض والعمق ، ثم إذا قلتم : لا كالأجسام فكأنكم قلتم : ليس بطويل ولا عريض