لأنه عالم لذاته ، قادر لذاته ، فلا يجب إذا كان عالما قادرا أن يكون جسما.
ثم يقال لهم : الواحد منا إذا كان عالما قادرا كما يجب أن يكون جسما ، يجب أن يكون ذا قلب وضمير ، وأن يكون مركبا من لحم ودم ، فقولوا مثله في القديم تعالى ، والقوم لا يقولون بذلك.
شبهة أخرى لهم في المسألة ، وهو أنهم قالوا : المعقول إما الجسم وإما العرض والقديم تعالى يستحيل أن يكون عرضا ، فيجب أن يكون جسما. قلنا : ما تعنون بالمعقول؟ فإن أردتم المعلوم ، ففيه وقع النزاع وهلا جاز أن يكون هاهنا ذات معلوم مخالف للأجسام والأعراض وهو القديم تعالى. وإن أردتم به ما يمكن اعتقاده ، فهو نفس التنازع فيه أيضا. وهلا جاز أن يكون هاهنا ذات يمكن اعتقاده ولا يكون جسما ولا عرضا وهو الله تعالى.
فإن قيل : إنا نعني بالمعقول ما قد شوهد نظيره ، قلنا : وهلا جاز أن يكون هاهنا ذات لم يشاهد نظيره قط وهو الله تعالى. ثم يقال لهم ألستم قد أثبتم الحياة والقدرة وإن لم تشاهدوا نظيرا قط ، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟ هذا هو الكلام في شبههم من جهة العقل.
الشبه السمعية :
وأما شبههم من جهة السمع فكثيرة.
(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى).
منها : قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] قالوا الاستواء إنما هو القيام والانتصاب ، والانتصاب والقيام من صفات الأجسام ، فيجب أن يكون الله تعالى جسما.
والأصل في الجواب عن ذلك أن يقال لهم : أولا إن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة غير ممكن ، لأن صحة السمع موقوفة عليها ، لأنا ما لم نعلم القديم تعالى عدلا حكيما لا نعلم صحة السمع ، وما لم نعلم أنه غني لا تجوز عليه الحاجة لا نعلمه عدلا ، وما لم نعلم أنه ليس بحسم لا نعلمه غنيا ، فكيف يمكن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة ، وهل هذا إلا استدلال بالفرع على الأصل؟ وذلك محال من وجه آخر ، هو أنا ما لم نعلم به عالما لذاته لا نعلمه عدلا ، والجسم يستحيل أن يكون