الآية واردة مورد التمدح فلا كلام في ذلك ، وإنما الكلام في جهة المدح.
الأقوال في التمدح بعدم الرؤية.
فمنهم من قال : إن التمدح هو بأن القديم عزوجل لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة على ما نقوله ، ومنهم من قال إن التمدح هو بأن لا يرى في دار الدنيا ، ومنهم من قال إن التمدح هو بأن لا يرى بهذه الحواس وإن جاز أن يرى بحاسة أخرى. فصح أن الآية واردة مورد التمدح على ما ذكرناه ، ولا تمدح إلا من الجهة التي نقولها.
التمدح لا يقع لكونه لا يرى :
فإن قيل : وأي مدح في أنه لا يرى القديم تعالى وقد شاركه فيه المعدومات وكثير من الموجودات؟ قلنا : لم يقع التمدح بمجرد أن لا يرى ، وإنما يقع التمدح بكونه رائيا ولا يرى ، ولا يمتنع في الشيء أن لا يكون مدحا ثم بانضمام شيء آخر إليه يصير مدحا ، وهكذا فلا مدح في نفي الصاحبة والولد مجردا ، ثم إذا انضم إليه كونه حيا لا آفة به صار مدحا. وهكذا فلا مدح في أنه لا أول له ، فإن المعدومات تشاركه في ذلك ، ثم يصير مدحا بانضمام شيء آخر إليه وهو كونه قادرا عالما حيا سميعا بصيرا موجودا ، كذلك في مسألتنا.
وحاصل هذه الجملة ، أن التمدح إنما يقع لما تقع به البينونة بينه وبين غيره من الذوات ، والبينونة لا تقع إلا بما نقوله ، لأن الذوات على أقسام ، منها ما يرى ويرى كالواحد منا ، ومنها ما لا يرى ولا يرى كالمعدومات ، ومنها ما يرى ولا يرى كالجماد ، ومنها ما لا يرى ويرى كالقديم سبحانه وتعالى. وعلى هذا الوجه صح التمدح بقوله : وهو يطعم ولا يطعم.
فإن قيل : إن ما ليس بمدح إذا انضم إلى ما هو مدح ، كيف يصير مدحا؟ قيل له : لا مانع من ذلك ، فمعلوم أن قوله عزوجل (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٠٠] بمجرده ليس بمدح ، ثم صار مدحا لانضمامه إلى قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، وكذلك فقولنا في الله تعالى أنه موجود ليس بمدح ، ثم إذا ضممنا إليه القول بأنه لا ابتداء له صار مدحا ونظائر ذلك أكثر من أن يذكر فالمنكر له متجاهل.
فإن قيل : فلو جاز فيما ليس بمدح أن يصير مدحا بانضمامه إلى غيره لكان لا يمتنع أن يصير الجهل مدحا بانضمامه إلى الشجاعة وقوة القلب ، حتى يحسن أن يمدح