تخصيص في الرد على الديصانية :
وهكذا الكلام على الديصانية يكون ، غير أنا نخصهم بوجه آخر فنقول : إن الظلمة إذا كانت فاعلة لا بد من أن تكون قادرة ، وإذا كانت قادرة لا بد أن تكون حية ، فكيف يصح قولكم : إنها موات؟
كلام يخص المرقيونية :
وأما المرقيونية فالكلام عليهم مثل الكلام على أولئك ، ووجه آخر يخصهم ، وذلك الوجه هو أن نقول : إن هذا الثالث إذا كان قديما وجب أن يكون مثلا لهما ، لأن القدم صفة من صفات النفس ، والاشتراك فيها يوجب التماثل ، وهذا يوجب أن يكون مثلا للنور والظلمة جميعا ، فإذا كان أحدهما قادرا على الخير وجب أن يكون الآخر أيضا قادرا عليه ، ووجب أيضا أن يكون الثالث قادرا عليه ، وهذا يؤذن بوقوع الاستغناء به عنهما.
وأما الكلام على المجوس الذين يقولون بحدوث أهرمن ، فهو أن يقال لهم : إن يزدان إذا جاز أن يخلق ما هو أصل لكل شر ، فهلا جاز أن يخلق الشر بنفسه من دون واسطة ، وليس يمكنهم أن يقلبوا ذلك علينا فيقولوا : أليس الله عندكم خلق الشيطان وهو أصل لكل شر ، فلم لا يجوز أن يخلق الشر بنفسه ، لأنا لم نقل : إن الشيطان موجب للشر وأنه مطبوع عليه ، بل هو قادر على الخير قدرته على الشر ، إن شاء اختار هذا وإن شاء اختار ذلك ، فلا يلزمنا ما ألزمناكم. وإن لزم هذا فإنما يلزم إخوانكم المجبرة ، لأنهم يقولون إن القدرة موجبة ، وأن المؤمن لا يقدر إلا على الإيمان ، والكافر لا يقدر إلا على الكفر ، وهذا هو أحد وجوه المضاهاة بين مذهب المجبرة وبين مذهب المجوس لأنهم يقولون : النور مطبوع على الخير ولا يقدر على الشر البتة ، والظلمة مطبوعة على الشر ولا تقدر إلا عليه. وهذا مذهب القوم بعينه.
ووجه آخر من المضاهاة بين المذهبين ، هو أنهم يقولون : إن مزاج العالم حصل بفاعلين بالنور والظلمة ، وأنه حسن من جهة النور ، قبيح من جهة الظلمة. وهذا هو مذهب القوم لأنهم يقولون : إن الكفر حاصل بفاعلين بالله تعالى وبالعبد ، وهو حسن من جهة الله قبيح من جهة العبد.
ووجه آخر من المضاهاة ، هو أن المجوس يستحسنون الأمر بما لا يقدر عليه ، والنهي عما لا يمكن الانفكاك عنه. فإنهم ربما يصعدون ببقرة إلى موضع عال ،