الفصل الثاني
في العدل
وأما الأصل الثاني من الأصول الخمسة ، وهو الكلام في العدل ، وهو كلام يرجع إلى أفعال القديم تعالى جلّ وعزّ ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فلذلك أوجبنا تأخير الكلام في العدل على الكلام في التوحيد.
وقبل الاشتغال بالدلالة على هذه المسألة وذكر الخلاف فيه ، نذكر حقيقة العدل.
حقيقة العدل :
اعلم أنّ العدل مصدر عدل يعدل عدلا ، ثم قد يذكر ويراد به الفعل ، وقد يذكر ويراد به الفاعل.
فإذا وصف به الفعل ، فالمراد به كل فعل حسن يفعله الفاعل لينفع به غيره أو ليضره ، إلا أن هذا يقتضي أن يكون خلق العالم من الله تعالى عدلا ، لأن هذا المعنى فيه. وليس كذلك ، فالأولى أن نقول : هو توفير حق الغير ، واستيفاء الحق منه.
فأما إذا وصف به الفاعل ، فعلى طريق المبالغة ، كقولهم : للصائم صوم ، وللراضي رضا ، وللنور نور ، إلى غير ذلك. ونحن إذا وصفنا القديم تعالى بأنه عدل حكيم ، فالمراد به أنه لا يفعل القبيح أو لا يختاره ، ولا يخل بما هو واجب عليه ، وأن أفعاله كلها حسنة. وقد خالفنا في ذلك المجبرة وأضافت إلى الله تعالى كل قبيح.
وتحرير الدلالة على ذلك ، هو أنه تعالى عالم بقبح القبيح ، ومستغن عنه ، عالم باستغنائه عنه ، ومن كان هذه حاله لا يختار القبيح بوجه من الوجوه.
وهذه الدلالة تنبني على أن الله تعالى عالم بقبح القبيح ، وأنه مستغن عنه ، وعالم باستغنائه عنه ، ومن كان هذه حاله لا يختار القبيح بوجه من الوجوه.
أما الذي يدل على أنه تعالى عالم بقبح القبيح فقد مر ، لأنا قد ذكرنا أنه تعالى عالم لذاته ، ومن حق العالم لذاته أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تعلم عليها ، ومن الوجوه التي يصح أن يعلم المعلوم عليه قبح القبائح ، فيجب أن يكون