فصل والغرض به الكلام في أنه تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعل
لكان قبيحا
أبو الهذيل وأكثر المعتزلة ولا سيما البصريين على هذا الرأي :
والخلاف فيه مع النظام وأبي علي الأسواري والجاحظ ، فإنهم ذهبوا إلى أنه تعالى غير موصوف بالقدرة على فعل ما لو فعله لكان قبيحا ، وإلى هذا ذهبت المجبرة ، فإن من مذهبهم ، أن الله تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح ، وإن قدر على أن يجعله كسبا للعبد. إلا أن حالهم بخلاف حال النظام وطبقته لأنهم ناقضوا من حيث أضافوا إلى الله تعالى كل قبيح ، والنظام لم يناقض.
والدليل على صحة ما نقوله ، هو ما قد ثبت أنه تعالى قادر على أن يخلق فينا العلم الضروري ، فيجب أن يكون قادرا على أن يخلق بدله الجهل ، لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد ، والجهل قبيح.
وإن شئت فرضت الكلام في أهل الجنة فتقول : إنه تعالى قادر على خلق الشهوة فيهم ، فيجب أن يكون قادرا على أن يخلق فيهم النفرة ، لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد ، ومعلوم أنه تعالى لو خلق فيهم النفرة لكان قبيحا.
وإن شئت فرضت الكلام في فعل يجوز أن يقع فيكون قبيحا ، وقع فيكون حسنا ، فتقول : إذا قدر على إيقاعه على أحد الوجهين ، فيجب قدرته على أن يوقعه على الوجه الآخر ، لأن القدرة إنما تتعلق بالإيجاد والإحداث دون وجوه الأفعال. يبين ذلك ، أن أحدنا كما يقدر على أن يقول زيد في الدار وهو فيها يقدر على أن يقول ذلك وليس هو فيها. وكذلك الحال في القديم تعالى إذا قدر على الصدق وجب قدرته على الكذب ، لأنهما شيء واحد لا يختلفان إلا بحسب اختلاف المخبر عنه ، وذلك مما لا يوجب تغير القدرة عليه. وكذلك إذا قدر على إحياء الميت عقب دعوى المدعي للنبوة وهو صادق ، وجب قدرته على إحيائه عقب دعواه وهو كاذب.
وقد ألزمهم مشايخنا رحمهمالله على هذا المذهب أن يكون أضعف القادرين منا أقوى من الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. قالوا : بيان هذا ، أن الطفل الذي لا يقدر على أن يحمل منّا ، يقدر على أن يزج الغير وهو واقف على شفير الغار فيوقعه فيها وإن لم يستحق ذلك ، والقديم تعالى غير قادر عليه عندهم لأن ذلك قبيح ، فيجب