المراد به التفاوت من جهة الحكمة على ما قلناه ، إذا ثبت هذا لم يصح في أفعال العباد أن تكون من جهة الله تعالى لاشتمالها على التفاوت وغيره.
فإن قال : ما أنكرتم أن التفاوت من جهة الخلقة على ما ذكره في آخر الآية حيث قال : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)؟ قلنا : هذا الذي ذكرته لا يصح ، لأن تخصيص آخر الآية لا يقدح في عموم أولها ، ألا ترى أن قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] عام في المطلقات البوائن منها والرجعيات ، ثم تخصيص قوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] لا يقدح في عموم الأول. كذلك في مسألتنا.
وبعد ، فإنه تعالى تمدح بنفي التفاوت عن خلقه ، ولا مدح في نفي أن لا يكون في خلقه فطور وانشقاق.
فإن قيل : لو أمكن الاستدلال بهذه الآية على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأفعال العباد لأن فيها التفاوت وقد نفي التفاوت عن خلقه ، أمكن أيضا أن يستدل بها على أن طاعات العباد كلها من جهة الله تعالى فلا تفاوت فيها.
قلنا : هذا الاستدلال بدليل الخطاب ، وذلك مما لا يعتبر في فروع الفقه ، فكيف يعتبر في أصول الدين؟ يبين ذلك ، أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن ما عداه بخلافه ، ألا ترى أن قائلا لو قال : فلان لا يظلم ولا يكذب ، فإنما يقتضي هذا الكلام أنه لا يختار ما هو الظلم والكذب ، وليس فيه ، أنما هو خارج عن هذين النوعين فإنه هو الفاعل له ، كذلك في مسألتنا ، ليس يجب إذا نفى الله تعالى التفاوت عن خلقه أن يضاف إليه كل ما لا تفاوت فيه ، بل الواجب أن ينفي عنه جميع ما يتفاوت ، ويكون ما لا تفاوت فيه موقوفا على الدلالة ، فإن دل على أنه هو الفاعل له قيل به ، فإن لم يدل ، بل دل على خلافه لم يقل به ، وفي مسألتنا قامت دلالة على أن هذه التصرفات من الطاعات وغيرها متعلقة بنا لوقوعها بحسب قصدنا وداعينا ، فيجب أن تكون فعلا لنا واقعا من جهتنا على ما قلناه.
الذي أحسن كل شيء خلقه :
دليل آخر من جهة السمع قوله تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة : ٧] ، وقد قرئ «خلقه» ، وكلا القراءتين تدل على أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم.
ووجه الاستدلال به أنه لا يخلو : إما أن يكون المراد به ، أن جميع ما فعله الله