تعالى فهو إحسان ، أو المراد به أن جميعه حسن. لا يجوز أن يكون المراد به الإحسان ، لأن في أفعاله تعالى ما لا يكون إحسانا كالعقاب ، فليس إلا أن المراد به الحسن على ما نقوله.
إذا ثبت هذا ، ومعلوم أن أفعال العباد تشتمل على الحسن والقبيح ، فلا يجوز أن تكون مضافة إلى الله تعالى.
فإن قال : لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى : «أحسن» أي «علم» كما يقال : فلان يحسن اللغة والنحو والتصريف والطب وغير ذلك. قلنا : هذا لا يصح ، لأن أحسن بمعنى علم لم يجيء وإن جاء مضارعه ، وليس يمتنع أن يستعمل مضارع ما لم يستعمل ماضيه. وعلى هذا استعملوا مضارع نحو : وذر ، وودع. فقالوا : يذر ويدع ، ولم يستعمل ماضيه. فلم يقولوا : أوزر ولا أودع. وصار هذا في بابه كاستعمالهم الماضي من دون استعمال المضارع ، نحو قولهم : عسى وليس ، فحسب.
وبعد ، فإن الذي يسبق إلى أفهام السامعين من قوله أحسن ، ليس إلا الحسن على ما ندعيه ، فيجب أن يحمل عليه ، لأن كلام الله تعالى هما أمكن حمله على ظاهره لا بعدل عنه إلى غيره.
وقد قال قاضي القضاة رحمهالله : إن قوله : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ، يتنزل في العربية منزلة قوله : أحسن في كل شيء ، ومعلوم أنه لو قال : أحسن في كل شيء لكان لا يحمل إلا على الحسن ، فكذلك إذا كان هكذا.
قال : والذي يدل على أن فائدة العبارة واحدة ، هو أنك لو قلت أحسن كذا وما أحسن فيه لتناقض الكلام ، وهذا هو علم الاتفاق بين اللفظين على ما ذكرناه في غير موضع.
(صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) :
ومما يستدل به أيضا قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل : ٨٨]. بين الله تعالى أن أفعاله كلها متقنة ، والإتقان يتضمن الاحكام والحسن جميعا ، حتى لو كان محكما ولا يكون حسنا لكان لا يوصف بالإتقان. ألا ترى أن أحدنا لو تكلم بكلام فصيح يشتمل على الفحش والخنا ، فإنه وإن وصف بالإحكام لا يوصف بالإتقان.