كان في الأول جديدا وفي الثاني كلا.
على أن هذا لازم لهم في الكسب ، فيقال : كان يجب إن قدر أحدنا على الاكتساب ، أن يقدر في الثاني على اكتساب مثل ما اكتسبه أولا ، فإذا لم يجب ذلك هاهنا كذلك في مسألتنا.
ومما يتعلقون به أيضا ، قولهم : إن الواحد منا لو كان محدثا لتصرفاته لوجب أن يسمى خالقا لها والأمة قد اتفقت على أن لا خالق إلا الله ، وقد نطق به الكتاب أيضا. قال الله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] وقال : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) [الرعد : ١٦] الآية.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أنا لو خلينا وقضية اللغة ، لأجرينا هذا اللفظ على الواحد منا كما نجريه على الله تعالى لأن الخلق ليس بأكثر من التقدير ، ولهذا يقال ، خلقت الأديم هل لحي منه مطهرة أم لا؟ وقال زهير :
ولأنت تفري ما خلقت |
|
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري |
وقيل للحجاج : إنك إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت.
وأظهر من هذا كله قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [المائدة : ١١٠] وقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] ، فلو لا أن هذا الاسم مما يجوز إجراؤه على غيره وإلا لتنزل ذلك منزلة قوله : فتبارك الله أحسن الآلهة ، ومعلوم خلافه.
في الاصطلاح :
وأما في الاصطلاح فإنما لم يجز أن نجري هذا اللفظ على الواحد منا ، لأنه عبارة عمن يكون فعله مطابقا للمصلحة وليس كذلك أفعالنا ، فإن فيها ما يوافق المصلحة وفيها ما يخالفها ، فلهذا لم يجز إجراء هذه اللفظة على الواحد منا لا لشيء آخر. وأما قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) فليس فيه ما ظنوه لأن فائدة الكلام معقودة بآخره ، وقد قال تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) [فاطر : ٣] ، ونحن لا نثبت خالقا غير الله يرزق ، وقوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) الآية. فإنها مما لا يصح التعلق بظاهرها لأنها نفي التساوي ، وما هذا سبيله من الآيات فهي مجملة