لا يصح التعلق بظاهرها ، إذ لا شيئين إلا وهما متساويان في بعض الوجوه.
وبهذه الطريقة منع قاضي القضاة الشافعية من التعلق بظاهر قوله : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الحشر : ٢٠] على أن الزّمن لا يقتل بالكفار. قال : لأن الآية واردة في نفس التساوي بينهما.
لا ندري ما المراد بذلك ، ولأي وجه نفي ذلك؟ ولعله أراد عدم التساوي من جهة الفوز ، وعلى هذا قال : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر : ٢٠] ، كذلك في هذا الموضع.
ثم نقول : إن المراد أن خلق أحدنا لا يشبه خلق الله تعالى ، فإن خلقه جلّ وعزّ يشتمل على الأجسام والأعراض ، وليس كذلك خلقنا فإنا لا نقدر إلا على هذه التصرفات التي هي القيام والقعود وما جرى مجراهما.
والقوم يتمسكون بآيات من القرآن ويستدلون بها على أن أفعال العباد موجودة من جهة الله تعالى.
والجواب عنها من طريق الجملة أن نقول : لا يمنكم الاستدلال بالسمع على هذه المسألة ، لأن صحة السمع تنبني على كونه تعالى عدلا حكيما لا يظهر المعجز على الكذابين ، وأنتم قد جوزتم ذلك على الله تعالى فكيف تقع لكم الثقة بكلامه؟ وهلا جوزتم أن يكون كذبا؟
وأيضا ، فإن إثبات المحدث في الغائب ينبني على إثبات المحدث في الشاهد والقوم قد منعوا من ذلك ، فكيف يمكنهم الاستدلال بكلام من لم يعلموه بعد؟
فهذه طريقة القوم والجواب عن ذلك على وجه الجملة. ثم إنا نذكرها آية فآية ، ونتكلم عليها.
(أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)
فمن جملة ما يتمسكون به قوله تعالى : (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) [الصافات : ٩٥ ، ٩٦].
والجواب عن ذلك ، أنا لو استدللنا بهذه الآية على مذهبنا لكنا أسعد حالا منكم ، لأن القديم تعالى أضاف إليهم العبادة والنحت ، فقال : أتعبدون ما تنحتون؟