أما ما لا يتراخى عن سببه فإن حاله كحال المبتدأ ، والمتراخي عن سببه فإنه لا يمنع أن تتقدمه القدرة بأوقات ، وإن كان لا يجب أن يتقدم سببه إلا بوقت.
إذا ثبت هذا ، فالكلام في أن القدرة يجب تقدمها على مقدورها أو لا يجب ، وذلك يترتب على إثباتها أولا ، لأن الكلام في حكم الشيء يتفرع على إثباته.
طرق إثبات القدرة :
فالطريق إلى إثبات القدرة طرق :
أحدها : ما قدمناه في إثبات الأعراض. وتحريره في هذا الموضع أن نقول : إن الواحد منا حصل قادرا مع جواز أن لا يحصل قادرا والحال واحدة والشرط واحد ، فلا بد من أمر وخصص له ، ولمكانه حصل على هذه الصفة ، وإلا لم يكن بأن يحصل عليها أولى من خلافه ، وليس ذلك إلا وجود معنى هو القدرة.
والثاني : هو أن نقول : إن هاهنا عضوين ، يصح الفعل بأحدها ابتداء ، ولا يصح بالآخر ، فلو لا أن لأحدهما مزية على الآخر بأمر من الأمور ، وإلا لم يكن هو بصحة الفعل به أولى من صاحبه ، وليس ذلك الأمر إلا القدرة.
والثالث : هو أن نقول : إن هاهنا قادرين ، يصح من أحدهما الفعل أكثر مما يصح من الآخر مع استوائهما في كونه قادرين ، فلو لا أنه مختص بأمر زائد على ما يختص به الآخر ، وإلا لم يكن هو بهذه المزية أولى من صاحبه ، وليس ذلك الأمر إلا زيادة القدرة على ما نقوله.
مخالفة البغداديين :
وقد خالفنا بذلك مشايخنا البغداديون ، وقالوا : إنما يصح من القادر الفعل لمكان الصحة لا لما ظننتموه.
وقد بينا الكلام عليهم في باب الصفات ، وذكرنا أن الصحة إما أن يراد به التأليف من جهة الالتئام ، أو اعتدال المزاج ، أو زوال الأمراض والأسقام ، وشيء من ذلك مما لا يؤثر في وقوع الفعل ولا في صحته لأن الفعل إنما يصدر عن الجملة ، فالمؤثر فيه لا بد من أن يكون راجعا إلى الجملة ، وهذه الأمور كلها راجعة إلى المحل.