والواحد منا إذا رجع إلى نفسه فصل بين أن يكون على هذه الصفة وبين أن يكون على غيرها من الصافات ، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه.
فإن قيل : قد دخلتم فيما عبتم على الكلابية حيث قالت في حد العلم : هو ما يوجب كونه عالما.
قيل له : فرق بيننا وبينهم ، فإنهم فسروا العلم بما يوجب كون الذات عالما ، والعالم بمن له العلم ، فأحالوا بأحد المجهولين على الآخر ، وليس كذلك ما ذكرنا ، فإنا فسرنا الإرادة بما يوجب كون الذات مريدا ، ثم لما سئلنا عن حقيقة المريد أحلناه إلى نفسه ، ففارق حالنا حالهم.
هذا هو حقيقة الإرادة وكراهة.
وأما المريد ، فقد قيل في حده : هو المختص بصفة لكونه عليها يصح منه الفعل على وجه دون وجه. وهذا وإن كان كذلك ، إلا أن إيراده على طريق التحديد لا يصح ، لأن قولنا مريد أظهر منه ، ومن حق الحد أن يكون أظهر من المحدود ، ولهذا لم يحد الموجود بشيء ، لأن كل ما يذكر في حقيقته فقولنا موجود أظهر منه ، فيجب إذن أن لا نحد المريد أصلا ، لأن أي ما يذكر في حده فقولنا مريد أظهر منه ، وهكذا الكلام في الكاره.
وإذ قد علم ذلك فاعلم ، أن أحدنا إنما يريد ما يريده لمعنى هو الإرادة.
والطريق إلى إثبات الإرادة نحو الطريق إلى إثبات الأكوان على ما مر في إثبات الأعراض. وتحريرها هاهنا ، هو أن الواحد منا حصل مريدا مع جواز أن لا يحصل مريدا والحال واحدة والشرط واحد ، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه حصل على هذه الصفة ، وإلا لم يكن بأن يحصل عليها أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى وهو الإرادة. والكلام في أنه لا بد هاهنا من معنى قد سلف ، وإنما الذي يجب أن نذكره هاهنا أن ذلك الأمر ليس إلا الإرادة والكراهة.
الإرادة والكراهة لا يرجعان إلى الشهوة والنفار :
والذي يشتبه الحال فيه من المعاني فيقال : إن المرجع بالإرادة إنما هو الشهوة فيجب أن نميز بين الجنسين ، والذي يقع به هذا التمييز ، هو أن أحدنا قد يريد ما لا يشتهيه ككثير من الأدوية الكريهة ، ولهذا قالوا : من محن الدنيا أن الله تعالى جعل الداء