ضدين أن الله تعالى يريد أحدهما ، ثم كونه مريدا لأحدهما يحيل كونه مريدا لضده.
هذا هو الكلام على النجارية.
الكلام على الأشعرية :
وأما الكلام على الأشعرية حيث قالت : إنه تعالى مريد بإرادة قديمة فهو أن نقول :
لو كان القديم تعالى مريد بإرادة قديمة ، لوجب أن تكون هذه الإرادة مثلا لله تعالى ، لأن القدم صفة من صفات النفس ، والاشتراك فيها يوجب التماثل ، ألا ترى أن السود لما كان سوادا لذاته ، وجب في كل ما شاركه في كونه سوادا أن يكون مثلا له ، ولأنه كان يجب أن يكون هذا المعنى عالما قادرا حيا مثل القديم تعالى ، لأن الاشتراك في القديم يوجب الاشتراك في سائر صفات النفس ، وقد عرف فساده.
وبعد ، فإن تلك الإرادة القديمة كالإرادة المحدثة ، في أن لا تتعلق بأزيد من متعلق واحد مع طريق التفصيل ، فكان يجب أن لا يكون لله تعالى إلا مراد واحد.
يحقق ذلك أنه لا يخلو ، إما أن يكون القديم تعالى مريدا بإرادة واحدة ، أو بإرادات منحصرة ، أو بإرادات لا نهاية لها.
لا يصح أن يكون مريدا بإرادات لا نهاية لها ، لأن وجود ما لا يتناهى محال.
وإذا كان مريدا بإرادة واحدة أو بإرادات منحصرة لزم أن تكون مراداته منحصرة ، حتى لا يصح أن يريد أزيد من ذلك ، وقد عرف خلافه.
وعلى الجملة ، فكل ما ألزمناه النجارية على القول بأنه تعالى مريد لذاته من اجتماع الضدين وغير ذلك من الوجوه ، فهو لازم لهؤلاء أيضا.
لم لا يكون الله مريدا بإرادة معدومة؟
فإن قيل : قد علمتم أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا لذاته ولا لمعنى قديم ، فما دليلكم على أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا بإرادة معدومة.
قلنا : الذي يدل على ذلك هو أن العدم لا اختصاص له ببعض المرادات دون البعض ، فكان يجب أن يكون القديم تعالى مريدا لسائر المرادات لمكان ذلك المعنى المعدوم ، ومعلوم خلافه ، لأن في العدم كراهة ، كما أن فيه إرادة ، فلو جاز أن يكون