من حال المضيف أنه يريد معه تناول ما قدمه إليه ، فكما أن ذلك يزيد في لذته كذلك في مسألتنا ، وأجرى قوله عزوجل : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) [الطور : ١٩] على ظاهره وقال : إنه أمر على الحقيقة.
وهذه الجملة كلها عارضة في الكلام ، إذ المقصود بيان أنه تعالى لا يريد القبائح ولا يشاؤها ، بل يكرهها ويسخطها ، الذي يدل على ذلك أن غاية ما به يعرف كراهة الغير إنما هو النهي ، وقد صدر من جهة الله تعالى النهي وما هو أكبر النهي ، لأنه تعالى كما نهى عن القبيح فقد زجر عنه وتوعد عليه بالعقاب الأليم وأمر بخلافه ورغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، كل ذلك منه أدلة على أنه تعالى لا يريد هذه القبائح بل يكرهها.
آيات في هذا الباب
وقد استدل رحمهالله بعد هذه الجملة ، بآيات من القرآن في هذا الباب تنبيها على أن كتاب الله المحكم يوافق ما ذكرناه من القول بالتوحيد والعدل.
وما الله يريد ظلما للعباد
فمن جملتها ، قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١] ووجه الاستدلال به ، هو أن قوله ظلما نكرة ، والنكرة في النفي تعم ، فظاهر الآية يقتضي أنه تعالى لا يريد شيئا مما وقع عليه اسم الظلم ، فصار ذلك بمنزلة قول القائل : ما رأيت رجلا ، فكما أن ظاهره يقتضي أنه لم ير أحدا ممن يقع عليه اسم الرجل ، كذلك في مسألتنا.
فإن قيل : أكثر ما في هذا أنه تعالى لا يريد أن يظلم العباد ، فمن أين أنه لا يريد أن يتظالموا ، قلنا : من حيث أن الآية عامة في سائر ما يقع عليه اسم الظلم ، فيجب القضاء بأنه لا يريد شيئا منه.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
ومما يدل على أنه تعالى مريد للطاعات من الواجبات والنوافل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦] وهذه اللام لام الغرض والإرادة ، فكأنه قال : ما خلقتهم وأردت منهم إلا العبادة.