والله لا يحب الفساد
وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] يدل على أنه لا يريد الفساد ولا يحبه سواء كان من جهته أو من جهة غيره ، وسواء كان متعديا أو غيره.
وأيضا ، لو أراد هذه المعاصي والقبائح والكفر لوجب أن يكونوا مطيعين لله تعالى بمعاصيهم ، لأنهم فعلوا ما أراده الله تعالى.
متى قالوا : إن الله تعالى لم يأمرهم بهذه المعاصي فلذلك لم يكونوا مطيعين له ، قلنا : قد أجبنا عنه فلا يلزمنا الإعادة.
واعلم أن الظلم كما يقع على الضرر الذي يتعدى فقد يقع على ما لا يتعدى ، وعلى هذا حمل قوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] وقوله تعالى : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] وقال : (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [آل عمران : ١١٧] إلى غير ذلك.
وإن كان على الحقيقة اسم لضرر متعد على الشرائط المذكورة ، فالآية متناولة للقسمين المتعدي وغير المتعدي.
كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها
وأحد ما يدل عليه من جهة السمع ، قوله تعالى بعد عده الفواحش والمعاصي (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)) [الإسراء : ٣٨] بيّن أن المعاصي كلها مكروهة عنده ، ولن تكون كذلك إلا وهو كاره لها ، ولا يكون كارها لها إلا وهو غير مريد لها ، إذ لو كان مريدا لها مع الكراهة لكان حاصلا على صفتين ضدين وذلك مستحيل.
وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يريد القبائح ، هو أنه تعالى لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون فاعلا لإرادة القبيح ، وإرادة القبيح قبيحة ، والله تعالى لا يفعل القبيح لأنه عالم بقبحه ومستغن عنه.
فإن قيل : إن هذا ينبني على أنه تعالى مريد بإرادة يفعلها ونحن لا نسلم ذلك ، قلنا : إنا قد بينا أنه تعالى مريد بإرادة محدثة موجودة لا في محل وتكلمنا عليه ، فلا نعيده.
فإن قيل : ومن أين أن إرادة القبيح قبيحة؟ قلنا ، هذا معلوم على الجملة بالاضطرار ، لأنا لا نشك في أن الأمر بالقبيح قبيح ، فيجب في كل ما يؤثر فيه ويوجبه