العذاب. فبين استحقاقهم من جهة الله تعالى بهذه المقالة ، وقال بعد ذلك : (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [الأنعام : ١٤٨] منبها بذلك أنهم على الضلالة. ثم قال : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) بين في ذلك أنهم سلكوا في ذلك طريقة التقليد والظن ، وختم الآية بقوله : (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١٤٨] مقرعا لهم ودالا على كذبهم لأن الخرص إنما هو الكذب ، قال تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)) [الذاريات : ١٠] أي لعن الكذابون فهذه الآية على ما ترى تدل على فساد هذه المقالة من هذه الوجوه كلها.
وما يهذى به أبو بشر الأشعري وغيره ، من أن القديم تعالى إنما ذم هذه المقالة لأنها وردت منهم على طريق الهزء فعدول عن الظاهر ، لأن في الظاهر ما يمنع من ذلك ، لأنه لا يكذب المستهزئ ، ولا يقال له هل عندك من علم فيما تقوله؟ ولا يقال له إن أنت إلا متبع الظن.
أطفال المشركين لا يعذبون بذنوب آبائهم
فصل في أنه تعالى لا يجوز أن يعذب أطفال المشركين بذنوب آبائهم
وقد دخل جملة هذا الكلام فيما تقدم ، غير أنه رحمهالله أفرده بالذكر لأن بعض المجبرة قد خالفت في ذلك وتعلقت بشبه ركيكة سنذكرها من بعد إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
ونحن قبل الاشتغال بالدلالة على هذه المسألة نذكر حقيقة التعذيب.
اعلم أن التعذيب إيصال العذاب إلى الغير ، والعذاب هو الضرر الخالص المستحق على طريق الاستخفاف والإهانة ، إذا ثبت هذا ، فالذي يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يعذب أطفال المشركين بذنوب آبائهم ، هو أن تعذيب الغير من غير ذنب ظلم والله تعالى لا يجوز أن يكون ظالما باتفاق الأمة ، ولأنه قبيح ، والله تعالى لا يفعل لعلمه بقبحه وبغناه عنه.
وقد استدل رحمهالله بالسمع على هذه المسألة تنبيها على أن الدلالة السمعية من الكتاب والسنة توافق ما ذهبنا إليه واعتقدناه في ذلك.
فمما يدل على ما ذكرناه من كتاب الله ، قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ومعلوم أن الأطفال لم تبعث إليهم الرسل ، فيجب أن لا يعذبهم الله