الألطاف
فصل في وجوب الألطاف وذكر الخلاف فيه
وقبل الشروع في المسألة نذكر حقيقة اللطف جريا على العادة المألوفة.
اعلم ، أن اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنب القبيح ، أو ما يكون عنده أقرب إما إلى اختيار أو إلى ترك القبيح.
أسماء اللطف
والأسامي تختلف عليه فربما يسمى توفيقا ، وربما يسمى عصمة ، إلى غير ذلك. وسنذكر حقيقة هذه الألفاظ في مواضعها اللائقة بها إن شاء الله تعالى.
فاعله
ثم إن ما هذا حاله لا يخلو ، إما أن يكون من فعل الله تعالى ، أو من فعل غير الله.
وإذا كان من فعل غير الله جل جلاله ، فإما أن يكون من فعلنا ، أو من فعل غيرنا.
فإن كان من فعلنا وكان لطفا لنا يجب علينا فعله إذا جرى مجرى التحرز من الضرر ، وقولنا إذا جرى مجرى التحرز من الضرر احترازا عن النوافل ، فإنه ليس يجب أن نغفل ما هو لطف فيها ، لأنها إذا كانت لا يستضر بتركها أصلا ، فلأن لا يستضر بترك ما هو لطف تابع لها أولى. فإذا كان من فعل غيرنا فلا يخلو ، إما أن يكون المعلوم من حاله أنه يفعل ذلك الفعل ، فإنه يحسن من الله تعالى أن يكلفنا التكليف الذي يكون ذلك الفعل لطفا لنا فيه ، وإن كان المعلوم من حاله أنه لا يفعل فإنه لا يحسن بل يقبح ، فهذه جملة ما نقدمه في هذه المسألة. ونعود بعد ذلك إلى ذكر الخلاف فيه.
اعلم ، أن المخالف في هذه المسألة ، هم هؤلاء المجبرة ، وبشر بن المعتمر ، وأصحابه من البغداديين.
وإن كان لا يتحقق الخلاف مع المجبرة في هذه المسألة ، لأن اللطف إذا كان لا يرجع به إلا إلى ما يختار المرء عنده فعلا أو تركا ، أو يكون أقرب عنده إلى اختياره ،