وصفها بأنها مخلوقة ومختلقة ، كما يصح وصفها بأنها مصنوعة ومنحولة مع أنه لا يتصور فيه الكذب والصدق ، لأن الكذب والصدق لا يدخلان في الأوامر والنواهي وإنما يثبتان في الأخبار وأما قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)) [الشعراء : ١٣٧] فليس المراد به الكذب على ما قالوه ، وإنما هو قول منكري البعث والنشور ، الذين قالوا : هل نحن إلا كالأولين ممن مضى.
وأما قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] فإنه وإن أراد به الكذب مجازا ، فليس يجب أن لا يكون حقيقته ما قد بيناه ، وأن لا يوصف به القرآن على المعنى الذي يصح ويسلم.
فإن قيل : ما أنكرتم أن الخلق إنما هو إيقاع الفعل على وجه الاختراع على ما يقوله شيوخكم البغداديون ويحكى عن عباد بن سليمان الصيمري؟ قلنا : لما قد تقدم من أنهم كانوا يصفون الفعل المقدر بالغرض والداعي مقدرا مخلوقا ، ولهذا كان الحجاج يتمدح : بأني إذا وعدت وفيت ، وإذا خلفت فريت.
وأيضا ، فلو كان كما ذكروه لم يصح وصف غير القديم تعالى بذلك ، وكان لا يصح قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] وقد أنكر عباد حين سمع هذه الآية أن يكون المراد به الجمع ، وقال : إن الياء والنون زائدتان ، وذلك جهل منه باللغة وبمواضع الكلام.
الكلام في الخلق والمخلوق
ولولوع الناس بالكلام في الخلق والمخلوق ، تكلم فيه شيوخنا أيضا.
فذهب شيخنا أبو علي إلى أن الخلق إنما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ، على ما اخترناه ، وهو الصحيح من المذهب.
وأما شيخنا أبو هاشم ، وأبو عبد الله البصري ، فقد ذهبا إلى أن المخلوق مخلوق يخلق ، ثم اختلفا :
فذهب أبو هاشم إلى أن الخلق إنما هو الإرادة.
وقال أبو عبد الله البصري : بل هو الفكر ، وقال : لو لا ورود السمع والأذن بإطلاق هذه اللفظة على الله تعالى ، وإلا ما كنا نجوز إطلاقها عليه تعالى عقلا.